للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كنيته أبو الحسن، بصري الأصل، نزل مرورود وهي من بلاد بني مازن؛ وكان راوية عن البصريين، سمع من ابن عونٍ وشعبة بن الحجاج وأشكال هؤلاء، كان ثقة ثبتاً صاحب عربية، وكان يدعو إلى السُنَّة، ومات بمرورود سنة أربع وقيل ثلاث ومائتين.

قال النضر: دخلت على المأمون يوماً بمرو وعليَّ أطمار ثيابٍ رثةٍ، فقال: أتدخل على الخليفة في مثل هذه الاطمار؟ فقلت: إن حرَّ مرو لايدفع إلا بمثل هذه الأخلاق. قال: ولكنك متقشف! ثمّ تجارينا الحديث، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان في ذلك سدادٌ من عوز. وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: يانضر، السداد لحن! قلت: هو في هذا الحديث لحن، وإنما لحنه هشيم لأنه كان لحانةً. فقال: مالفرق بينهما؟ قلت: السداد القصد في الدين والسبيل، والسداد البلغة! - وقال الجوهري والسداد ما يسد به الشء - فقال: فهل تعرف العرب ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي من ولد عثمان بن عفان حيث يقول " من الوافر ":

أضاعوني وأيَّ فتىً أضاعوا ... ليومِ كريهةٍ وسداد ثغر

فأطرق المأمون ملياً وقال: قبح الله من لاأدب له! ثمّ قال: أنشدني، يانضر، أخلب بيت للعرب! قلت: قول ابن بيضٍ، يا أمير المؤمنين " من المنسرح ":

تقول لي والعيون هاجعةٌ: ... أقم علينا يوماً فلم أقم

أيَّ الوجوه انتجعت، قلت لها: ... لا لي وجهٌ إلا إلى الحكم

متى يقل حاجباً سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم

قد كنت أسلمت فيك مقتبلاً ... فهات إذ حلَّ أعطني سلمي

فقال المأمون: لله درُّك! فكأنما شُقَ لك عن قلبي؟ ثمّ أنشدني أقنع بيت قالت العرب! قلت: قول ابن عبدلٍ - وقال الجوهري: قول راعي الإبل - " من المنسرح ":

إني امرؤ لم أزل وذاك من ... الله أديباً أعلمُ الأُدبا

أقيم بالدار ما أطمأنت بي ... الدارُ وإن كنتُ نازحاً طربا

أطلب ما يطلب الكريم من المال بنفسي وأحسن الطلبا

وأحلُبُ الثرة الصفيَّ ولا ... أجهد أخلاف غيرها حلبا

إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبَّته في كريمة رغبا

والنذل لايطلب العلاء ولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا

ولم أجد غرة الخلائق ... إلا الدين مهما اختبرت والحسبا

قد يرزق الخافض المقيم وما ... شدَّ لعنس رحلا ولا قتبا

ويحرم الرزق ذو المطية والرحل ومن لايزال مغتربا

فقال: أحسنت أحسنت أحسنت - ثلاثا -، هذه أحسن من الأولى! فعندك ضدُّ هذا؟ قلت: نعم، أحسن منه. قال: هات! فأنشدته " من الوافر ":

يدُ المعروف غيمٌ حيث كانت ... تحملها شكور أو كفورُ

قال: أحسنت، فأنشدني أنصف بيت قالته العرب! فقلت: هذا ابن أبي عروة - وقال الزبير بن بكار: هذا ابن أبي عروبة - " من الكامل ":

إني وإن كان ابن عمي كاشحاً ... لمزاحم من خلفه وورائه

ومفيده نصري وإن كان آمرأً ... متزحزحاً في أرضه وسمائه

وأكون والى سره فأصوته ... حتى يحين عليَّ وقت أدائه

وإذا دعا باسمي ليركب مركبا ... صعباً قعدت له على سيسائه

وإذا استجاش رفدته ونصرته ... وإذا تصعلك كنت من قرنائه

وإذا الحوادث أجحفت بسوامه ... قرنت صحيحتنا إلى جربائه

وإذا أتى من وجهه لطريقه ... لم أطلع مما وراء خبائه

وإذا رأيت عليه ثوباً ناعماً ... لم يلفني متمنياً لردائه

ويروى.

واذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل ... ياليت أنَّ عليَّ حسن ردائه

<<  <   >  >>