للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما جرد الجارود بكر بن وائل

وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشج. وكتب إليه المنذر بن عائذ كتاباً من دارا موضع من البحرين وعرفه بأنه اجتمع برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قبل دعوتهم، وأنه عليه السلام أرسل إليهم معه العلاء بن الحضرمي رسولا. فقدم الجارود على النبي صلى الله عليه وسلم مع العلاء ورهط من عبد القيس فبايعوه.

وقال: من طرق كثيرة أن أبا هريرة قال: حدا الحادي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الأبيات " من الرجز ":

طاف الخيالان فهاجا سقما ... خيال تكنى وخيال تكتما

قامت تريك خشية أن تصرما ... ساقاً بخنداة وكعباً أدرما

وتكلم أبو عبيدة يوماً في باب من العلم، ورجل يكسر عينه حياله يوهم أنه يعلم ما يقول، فقال أبو عبيدة " من الوافر ":

يكلمني ويخلج حاجبيه ... لأحسب عنده علماً دفيناً

وما يدري قبيلاً من دبير ... إذا قسم الذي يدري الظنونا

وكان أبو عبيدة يعشق خرك بن أخي يونس النحوي فقال فيه " من الخفيف ":

ليتني ليتني وليت وليتي ... ليتني قد علوت ظهرك خرك

فقرأنا حقابه وفككنا ... خاتماً كان قبلنا لم يفكك

وقال أبو عبيدة: أعرق العرب في القتل عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد، قتل عمارة وحمزة يوم قديد، قتلهما الإباضية، وقتل محمد مصعب بن الزبير، وقتل الزبير ابن جرموز، وقتلت بنو كنانة العوام، وقتلت خزاعة خويلداً.

وقيل لأبي عبيدة: مامعنى قول الأول " من الوافر ":

فأوصى جحدر قدماً بنيه ... بإلقاء القراد على البعير

قال: هذا اللص أمر ولده أن يأخذ القراد فيطرحه على ذنب البعير وهو بارك، فإذا ثار البعير قاده فانقاد معه، ولو أثاره وهو بارك من غير أن يطرح على ذنبه القراد لرغا.

وسئل أبو عبيدة عن قوله تعالى: (اَلَم ذلك الكتابُ) وأين ذلك من هذا؟ فقال: إن العرب تجعل الفعل السمقبل مكان الفعل الماضي، قال الشاعر " من الطويل ":

أقول له والرُمحُ يأطِرُ متنه ... تأملْ خفافاُ إنني أنا ذلكا

ولم يقل: أنا هذا! ويأطر يطعن.

وقال: أعيانا أن نرى زبيرياً سخياً أو مخزومياً متواضعاً أو دارياً أرسح أو بكريا كامل العقل. - وسئل عن قوله تعالى: (طلْعُها كأنه رؤوسُ الشَّياطين) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله، وهذا لم يعرف. فقال: إنما كلمهم الله على قدر كلامهم، أما سمعت قول امرئ القيس " من الطويل ":

أيقتلني والمشرفيُّ مضاجعي ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وهم لم يروا الغول قط، ولكنه لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به. قال أبو عبيدة: واعتقدت من ذلك اليوم أن أضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه، وعملت كتابي الذي سميته " المجاز ".

قال: وقال لي الفضل بن يحيى: من أشعر المولدين؟ فسميت له جماعة. قال: لا، ولكن أشعرهم الذي يقول وهو ابن أبي عيينة المهلبي " من البسيط ":

زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لابُدَّ من زورة عن غير ميعاد

زره فليس له شبه يقاربه ... من منزلٍ حاضرٍ إن شئت أو باد

ترفى قرقيره والعيسُ واقفةٌ ... والنونُ والضَبُّ والملاح والحادي

فقلت: أصلحك الله! وماهذا؟ إنما سرقه من خلف بن خليفة، ووصف مدينة ابن هبيرة بواسط فقال " من الكامل ":

مُكاؤُها غردٌ يجيبُ الخضر من ورشانها

قرنتْ رؤوس ظبائها ... بالزرق من حيتانها

فقال: ويحك، أفسدته عليّ! قال أبو عبيدة: تغديت مع الفضل بن يحيى، فجئ بألوان لم أر مثلها، وكان معنا الأصمعي يأكل من كامخ، فقال لي: كلْ من هذا الكامخ فإنه طيبٌ! فقلت: إنما هربتُ من الكامخ إلى ههنا، فما أصنع به؟ دعْ مالا يفوتك وأقبل على ما يفوتك. - كان الأصمعيُّ بخيلاً، وكان أبو عبيدة إذا ذكر الأصمعي أنشد " من الكامل ":

عظُمَ الطعامُ بعينه فكأنهُ ... هو نفسه للآكلين طعامُ

قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: أنشدت أبا عبيدة قولَ الفرزدق " من الطويل ":

جلوسك في الشربِ الكرام بليةٌ ... ورأسك في الإكليل إحدى الكبائر

<<  <   >  >>