للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ أقبل علينا ابن هبيرة يحدثنا، فقال: إن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ورد على يزيد بن معاوية، فقال له: كم كان أمير المؤمنين يعطيك؟ قال: كان رحمه الله يعطيني ألف ألف. فقال يزيد: قد زدناك لترحمك عليه ألف ألف. قال: بأبي أنت،امي. قال: ولهذه ألف ألف. قال: أما أني لاأقولها لأحد بعدك. قال: ولهذه ألف ألف. قال: مايمنعني من الأطناب في وصفك إلا الإشفاق عليك من جودك. قال: ولهذه ألف ألف. وحمل المال معه، فقيل ليزيد: فرَّغت بيت مال المسلمين على رجلٍ واحدٍ. قال: إنما دفعته إلى أهل المدينة أجمعين. ثمّ وكل به من يعرفه خبره من حيث لايعلم، فلما دخل المدينة فرق المال فيها حتى أحتاج بعد شهرٍ الى القرض. قال: وأقبل ابن هبيرة يفرق الهدايا وينشد شعر الخثعمي " من البسيط ":

لاتبخلن بدنيا وهي مقبلةٌ ... فليس يقصها التبذيرُ والسرف

فإن توَّلت فأحرى أن تجود بها ... فالشكر منها إذا ماأدبرت خلف

وحدّث خلاد بإسناد له عن عروة بن الزبير أنه قال لعائشة: يأماه - أو: ياخالاه - نظرتُ في أمرك، فعجبت من أشياء ولم أعجب من أشياء، رأيتك من أفقه الناس! - فقلت: مايمنعها وهي زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم - ورأيتك من أعلم الناس بالشعر! - فقلت: مايمنعها وهي ابنة أبو بكر الصديق - ورأيتك من أعلم الناس بالطب! قال: فأخذت بثوبي وجرَّتني إليها وقالت: ياأبا عُرَّية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مسقاما، فكان أطباء العرب وأطباء العجم ينعتوتن له، فكنا نعالجه.

٣٦ - ... ومن أخبار أبي الحسن المدائني

وهو علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف القرشي، مولى عبد الرحمان بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف. قال أبو خيثمة: هو صدوق ثقة. وقال يحيى بن معين: هو صدوق إذا حدث عن الثقات، فأحاديثه مستقيمة. وقال يحيى بن معين: من أراد اخبار الجاهلية فعليه بكتب أبي عبيدة، ومن أراد أخبار الإسلام فعليه بكتب المدائني.

وحدث المدائني بإسناد له عن معاذ بن جبل قال: مات ابن لي، فكتب إليَّ النبي صلى الله علسه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى معاذ بن جبل، أما بعد فعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر، ثمّ إن أنفسنا وأموالنا وأهلينا من مواهب الله الهنيئة، وعواريه المستودعة، يمتع بها إلى أجل معدود، ويقبضها لوقتٍ معلوم، جعل عليه الشكر إذا أعطى، والصبر إذا ابتلى، وقد كان ابنك من مواهب الله الهنيئة، وعواريه المستودعة، متعك به في غبطة وسرور، وقبضه منك بأجرٍ كثير، إن صبرت واحتسبت! فلا يجتمعن عليك، يامعاذ، أن يحبط جزعك أجرك فتندم غدا على ثواب مصيبة، علمت أن المصيبة قد قصرت عنك، وأعلم أنَّ الجزع لايرد ميتا ولايدفع حزنا، فليذهب أسفك ماهو نازلٌ، فكأن قد.

وبإسناده عن أنس قال: وضع النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم في حجره وهو يجود بنفسه، وقال: لولا أنه موعدٌ صادقٌ ووعدٌ جامع وأنّ الماضيَ فرطُ الباقي وأنّ الآخر لاحقُ الأول، لجزعنا عليك، ياإبراهيم! ثمّ دمعت عينهُ صلى الله عليه وسلم، فقال: تدمعُ العينُ ويحزنُ القلبُ، ولا نقول إلا مايرضي الرّبَّ وإنَّا بك، ياإبراهيمُ، لمحزونون! - وبه عنه صلى الله عليه وسلم: سُرعة المشي تذهب ببهاء المسلم.

وقال المدائني: ليست الفُتَّوةُ الفسقَ والفُجور إنما الفتوةُ طعامٌ موضوعٌ ونائلٌ مبذولٌ وعفافٌ معروفٌ وأذى مكفوف.

<<  <   >  >>