للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الشعبيُّ: رأيتُ عجباً، كنَّا بفناء الكعبة أنا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان، فقال القومُ: ليقمْ كلُّ رجلُ منكم فليأخذ بالرُكن اليماني وليسأل الله حاجته فإنه يُعطى، قمْ، ياعبد الله بن الزبير! فإنك أولُ مولود ولد في الهجرة. فقام فأخذ بالركن اليماني فقال: اللهّمَّ إنك عظيمٌ تُرجى لكلّ عظيم، أسألك بحرمة وجهك وحرمة عرشك وحرمة نبيك صلى الله عليه وسلم ألا تميتني حتى توليني الحجاز ويُسلَّم عليَّ بالخلافة! وجاء فجلس، وقالوا: قُم، يامصعب! فقام حتى إذا أخذ بالركن اليماني فقال: اللهمَّ إنك ربُّ كلّ شيء، وإليك يصير كلُّ شيء، أسألك بقدرتك على كلّ شيء ألا تميتني حتى توليني العراقين وتزوجني سكينة بنت الحسين! وجاء فجلس، وقالوا: قم، ياعبد الملك! فقام فأخذ الركن وقال: اللهم ربّ السماوات السبع وربَّ العرش العظيم ربَّ الأرض ذات النبت بعد القفر، أسألك بما سألك عبادك المطيعون لأمرك، وأسألك بحرمة وجهك، وأسألك بحقك على جميع خلقك، وأسألك بحق الطائفين حول بيتك ألا تميتني حتى توليني شرق الأرض وغربها، ولاينازعني أحدٌ ألا أُتيتُ برأسه! ثمّ جاء فجلس، ثمّ قالوا: قم، ياعبد الله بن عمر! فقام حتى أخذ بالركن ثمّ قال: اللهمَّ إنك رحمان رحيم، أسألك برحمتك التي سبقت غضبك، وأسألك بقدرتك على جميع خلقك إلا تميتني حتى تُوجب لي الجنة! - قال الشعبيّ: فما ذهبت عيناي من الدنيا حتى رأيتُ كلَّ رجل منهم قد أعطي ماسأل. وبُشر عبد الله بن عمر بالجنة.

وكتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج: إنه ليس شيءٌ من لذة الدنيا إلا وقد أُصبتُ به ولم يبق لي من لذة الدنيا إلا مناقلة الإخوان للحديث، وقبلك عامرٌ الشعبيُ، فابعث به إليذَ ليُحدثني! فجهزه الحجَّاج وبعث به إليه. قال: فدخلتُ فإذا عبدُ الملك جالسٌ على كرسي وبين يديه رجلٌ أبيضُ الرأس واللحية على كرسيّ، فسلمتُ فردّ السلام، ثمّ أومى إليّ بقضيبه فقعدت على يساره، ثمّ أقبل على الذي بيد يديه فقال: من أشعر الناس؟ قال: أنا! قال الشعبيّ: فأظلم عليَّ مابيني وبين عبد الملك، ولم أصبر أن قلتُ: ومن هذا، ياأمير المؤمنين، الذي يزعم أنه أشعر الناس؟ قال: فعجب عبد الملك من عجلتي، ثمّ قال: هذا الأخطل! قلتُ: ياأخطلُ، أشعر منك الذي يقول " من السريع ":

هذا غُلامٌ حَسَنٌ وجههُ ... مُقتبلُ الخيرِ سريعُ التمامْ

للحارثِ الأكبر والحارث ال ... أصغر والحارث خير الأنامْ

ثمّ لهندٍ ولهندٍ وقد ... أسرعَ في الخيراتِ منه إمامْ

ستّةُ أملاكٍ هُمُ ما هُمُ ... هُمْ خيرُ من يشربُ صوب الغمامْ

فقال عبد الملك: رُدَّها عليَّ! فرددتها عليه حتى حفظها، فقال الأخطل: من هذا، ياأمير المؤمنين؟ قال: هذا الشعبيُّ! قال: والجِلَّوز، ما أستعذت بالله من شر هذا! صدق والله، النابغة أشعر مني! قال الشعبيّ: ثمّ أقبل عليَّ عبد الملك فقال: كيف أنت؟ قلتُ: بخير، ياأمير المؤمنين! فلا زلتَ به! ثمّ ذهبت لأضع معاذير لي لما من خلافي على الحجاج مع عبد الرحمان ابن محمد بن الأشعث، فقال: مه، فإنا لانحتاج إلى هذا المنطق، ولا تراه منا في قول ولافعل حتى تفارقنا. ثمّ أقبل عليَّ فقال: ماتقول في النابغة؟ قلتُ: ياأمير المؤمنين، قد فضلَّه عمرُ بن الخطاب في غير موطن على جميع الشعراء! خرج عمرُ وببابه وفد غطفان، فقال: يامعشر غطفان، أي شعرائكم الذي يقول " من الطويل ":

حلفتُ فلم أترك لنفسك ريبةً ... وليس وراء الله للمرء مذهبُ

لئن كُنت قد بُلغتَ عني رسالةً ... لمبلغك الواشي أغشُّ وأكذبُ

ولستُ بمستبقٍ أخا لاتلمهُ ... على شعثٍ أيُّ الرجال المُهذَّبُ

قالوا: النابغة، ياأمير المؤمنين! قال: فأيكم الذي يقول " من الوافر ":

لي ابن مُحرقٍ أعملتُ نفسي ... وراحلتي وقد هدت العُيونُ

أتيتك عارياً خلقاً ثيابي ... على خوفٍ تُظنُّ بي الظُنُونُ

وألفيتُ الأمانةَ لم تخنها ... كذلك كان نُوحٌ لايخونُ

قالوا: النابغة، ياأمير المؤمنين! قال: فأيكم الذي يقول " من الطويل ":

<<  <   >  >>