ثمَّ خص الْأَوْلِيَاء مِنْهُم بِنور الْقرْبَة وَلذَلِك النُّور أَيْضا بصر فالنور فِي الْقلب وبصره فِي بصر الْعين فبقوة ذَلِك يتفرس والفراسة أَمر جليل من أُمُور الْغَيْب خص بهَا الْأَوْلِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ينظرُونَ بِنور الله تَعَالَى إِلَى سمات الْقُدْرَة على عبيد الله تَعَالَى فِي الْغَيْب فتوسمهم نظرهم ببصر ذَلِك الْعين الَّذِي اتَّصَلت الْأَبْصَار فِيهَا بَعْضهَا بِبَعْض وغشيها بصر الْقُدْرَة فيدركون سمات الْقُدْرَة وَالتَّدْبِير فيخبرون بالعجائب فَهَذَا بصر الْأَوْلِيَاء ثمَّ للأنبياء عَلَيْهِم السَّلَام زِيَادَة نور فِي أَبْصَارهم وَهُوَ بصر النُّبُوَّة ثمَّ للرسل عَلَيْهِم السَّلَام بصر الرسَالَة ثمَّ لرسولنا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بصر سيادة الرُّسُل صلوَات الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ فاجتمعت هَذِه الْأَبْصَار كلهَا فِي إنسانة تِلْكَ الحدقة من عينه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم (رَأَيْت لَيْلَة أسرِي بِي من العلى الذّرة تدب على وَجه الأَرْض من السِّدْرَة الْمُنْتَهى)
قَوْله (أمتعني ببصري) والإمتاع بالبصر أَن يرى هَذِه الْعَجَائِب من تَدْبِير الله تَعَالَى من أُمُور الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَيرى كل شَيْء كَمَا خلقه الله تَعَالَى بِمَا ينظر إِلَيْهِ من العبر قَالَ تَعَالَى {وأنبتنا فِيهَا من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب}
والمنيب الَّذِي قد أناب بِقَلْبِه فَأقبل على الله تَعَالَى وَفرغ قلبه لَهُ من حَشْو الدُّنْيَا وطهره من أدناس الْمعاصِي وكدورة الْأَخْلَاق وفضول الدُّنْيَا فقربه ربه وَأَدْنَاهُ ونقى قلبه بنوره واحتد بَصَره فِي خلقه وصنعه وتدبيره فَلَو نظر إِلَى ورقة لحار عقله فِيهَا من الْعَجَائِب الَّتِي فِيهَا من رطوبتها ولونها وطعمها وريحها ولينها ومقدارها وتقطيعها وهيئتها ونقوشها وتخطيطها واللطف الَّذِي حواها على