شَهَادَة قَالَ ابْن خلدون فِي معنى مَا كتب بِهِ أَبُو ملم للمنصور حِين آمره بالقدوم إِمَّا بعد فانه مِمَّا حفظناه من وَصَايَا الْفرس اخوف مَا يكون الوزراء إِذا سكت الدهماء سنة الله فِي عباده
المسالة التَّاسِعَة انْتِقَال الدولة من البداوة إِلَى الحضارة
وَذَلِكَ لانهما طوران طبيعيان للدول وطور البدواة مِنْهُمَا مُتَقَدم على طور الحضارة لَان الغلب الَّذِي بِهِ الْملك إِنَّمَا هُوَ بالعصبية وَمَا يتبعهَا من شدَّة الْبَأْس وتعود الافتراس وَلَا يكون ذَلِك غَالِبا إِلَّا مَعَ البدواة فطورها اذن مُتَقَدم على الْملك ثمَّ إِذا حصل الْملك تبعه الرفه واتساع الْأَحْوَال والحضارة إِنَّمَا هِيَ تفنن فِي ترف ذَلِك واحكام الصَّنَائِع المستعملة فِي مذاهبه من المطابخ والملابس والمباني والفرش والانية على حسب مَا تنْزع إِلَيْهِ النُّفُوس من الشَّهَوَات والملاذ وَمَا تتلون بِهِ من العوائد فطورها إِذا للْملك تَابع لطور الحضارة ضَرُورَة تَبَعِيَّة الرفه للْملك إِذا تقرر هَذَا
فهناك أُمُور
أَحدهَا أَن هَذَا الِانْتِقَال هُوَ من الدول السالفة إِلَى الدول الخالفة فحضارة الْفرس قلا الْإِسْلَام انْتَقَلت للْعَرَب بني أُميَّة وَبني الْعَبَّاس وانتقلت حضارة بني أُميَّة بالأندلس إِلَى مُلُوك الْمغرب من الْمُوَحِّدين وزناتة وانتفلت حضارة بني الْعَبَّاس إِلَى الديلم ثمَّ إِلَى التّرْك السلجوقية ثمَّ إِلَى التّرْك المماليك بِمصْر والتتار بالعراقين
الثَّانِي أَن الدولة الخالفة لمَكَان هَذَا الِانْتِقَال تقلد السالفة فِي مَذَاهِب الحضارة فَمنهمْ يَأْخُذُونَ وعَلى منوالهم ينسجون كَمَا وَقع للْعَرَب