للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{لتبين للنَّاس} .

وَكَانَ أَخذ مَال الْغَيْر أقساما: مِنْهُ السّرقَة، وَمِنْه قطع الطَّرِيق، وَمِنْه الاختلاس، وَمِنْه الْخِيَانَة، وَمِنْه الِالْتِقَاط، وَمِنْه الْغَصْب، وَمِنْه مَا يُقَال لَهُ قلَّة المبالاة والورع، فَوَجَبَ أَن يبين النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقِيقَة السّرقَة متميزة عَن هَذِه الْأُمُور.

وَطَرِيق التميز أَن ينظر إِلَى ذاتيان هَذِه الْأَسَامِي الَّتِي لَا تُوجد فِي السّرقَة، وَيَقَع بهَا التفارق فِي عرف النَّاس، ثمَّ تضبط السّرقَة بِأُمُور مضبوطة مَعْلُومَة يحصل بهَا التَّمْيِيز مِنْهَا والاحتراز عَنْهَا، فَقطع الطَّرِيق. والنهب. والحرابة أَسمَاء تنبئ عَن اعْتِمَاد الْقُوَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى المظلومين، وَاخْتِيَار مَكَان أَو زمَان لَا تحلق فِيهِ الْغَوْث من جمَاعَة الْمُسلمين، والاختلاس يُنبئ عَن اختطاف على أعين النَّاس وَفِي مرأى مِنْهُم ومسمع، والخيانة تنبئ عَن تَقْدِيم شركَة أَو مباسطة وَإِذن بِالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَنَحْو ذَلِك، والالتقاط يُنبئ عَن وجدان شَيْء فِي غير حرز، وَالْغَصْب يُنبئ عَن غَلَبَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَظْلُوم لَا مُعْتَمدًا على الْحَرْب والهرب وَلَكِن على الجدل وَظن أَلا يرفع قَضيته إِلَى الْوُلَاة وَلَا ينْكَشف عَلَيْهِم جبلة الْحَال وَقلة المبالاة، والورع يُقَال فِي الشَّيْء التافه الَّذِي جرى الْعرف ببذله والمواساة بِهِ بَين النَّاس كَالْمَاءِ. والحطب، فضبط النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاحْتِرَاز على ذاتيات هَذِه الْأَسَامِي.

قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

" لَا تقطع يَد السَّارِق إِلَّا فِي ربع دِينَار " وروى الْقطع فِيمَا بلغ ثمن الْمِجَن، وروى أَنه قطع فِي مجن ثمنه ثَلَاثَة دَرَاهِم، وَقطع عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ فِي أترجة ثمنهَا ثَلَاثَة دَرَاهِم من صرف اثْنَي عشر درهما.

وَالْحَاصِل أَن هَذِه التقديرات الثَّلَاث كَانَت منطبقة على شَيْء وَاحِد فِي زَمَانه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ اخْتلفت بعده، وَلم يصلح الْمِجَن للاعتبار لعدم انضباطه، فَاخْتلف الْمُسلمُونَ فِي الْحَدِيثين الآخرين: فَقيل: ربع دِينَار،

وَقيل: ثَلَاثَة دَرَاهِم قيل: بُلُوغ المَال إِلَى حد القدرين وَهُوَ الْأَظْهر عِنْدِي، وَهَذِه شرعة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فرقا بَين التافه وَغَيره لِأَنَّهُ لَا يصلح للتقدير جنس دون جنس لاخْتِلَاف الأسعار فِي الْبلدَانِ، وَاخْتِلَاف الْأَجْنَاس نفاسة وخساسة بِحَسب اخْتِلَاف الْبِلَاد، فمباح قوم وتافههم مَال عَزِيز عِنْد آخَرين، فَوَجَبَ أَن يعْتَبر التَّقْدِير فِي الثّمن، وَقيل: يعْتَبر فيهمَا، وَأَن الْحَطب وَإِن كَانَ قِيمَته عشرَة دَرَاهِم لَا يقطع فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>