للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما من فوت هذه العبادات بلا عذرٍ وإنما بتعمد لذلك التفويت من تكاسلٍ عنها أو قلة حرصٍ أو اشتغال بالدنيا ونحوها فهذا إذا فات وقتها وخرج فإنه لا يسوغ له فعلها أبدًا ولو فعلها في غير وقتها ألف مرة فإنها لا تجزئه أبدًا، لأن التوقيت في العبادة له حكمة عظيمة، فالشريعة لم تخص هذا الوقت بهذه العبادة إلا لأن إيقاعها فيه فيه مصلحة وحكمة بالغة لا تكون في غيره، فإذا فعلت في غير هذا الوقت فإنه لا تتحقق منها المصلحة المرجوة من فعلها في وقتها، وإنما جاز فعلها لمن فوتها لعذرٍ؛ لأن الدليل دل على عدم مؤاخذته، وأما من فوتها متعمدًا بلا عذرٍ فهذا مؤاخذ بهذا التفويت، ومؤاخذته قد تكون في عدم تمكينه من هذه العبادة، بل يحرم أجرها، وليس إسقاطنا عنه قضاء العبادة إسقاط تخفيف، بل هو إسقاط حرمان، وإسقاط الحرمان عقوبة بخلاف إسقاط التخفيف فهو رحمة، فمن فوت الصلاة وأخرجها عن وقتها عامدًا بلا عذرٍ فلا يسوغ له قضاؤها أبدًا ولو فعلها ألف مرة لم تسقط عنه المطالبة بها وهو اختيار الشيخ تقي الدين. وإنما قضاء الصلاة للمعذور فقط أما غير المعذور فلا، وإنما عليه التوبة النصوح المستجمعة لشروطها المعروفة وعليه الإكثار من النوافل لتسد هذا الخلل العظيم.

ومن أفطر يومًا من رمضان عامدًا بلا عذر فإنه لا يسوغ له قضاؤه أبدًا فلو صام الدهر كله لم يسقط عنه المطالبة بهذا اليوم واختاره الشيخ تقي الدين وضعف زيادة (واقض يومًا مكانه) لعدول البخاري ومسلم عنها.

ومن لم يخرج زكاة الفطر في وقتها المشروع حتى فات بلا عذرٍ فإنه لا يجزئه إخراجها بعده، بل هو آثم بهذا التفويت، فلو تصدق بماله كله فإنه لا يسقط عنه المطالبة بها، وإنما عليه التوبة النصوح والإكثار من الصدقة لعل الله أن يغفر له ذلك الإثم.

<<  <  ج: ص:  >  >>