١٩ - كل حكم لم يرد في الشرع ولا اللغة تحديده حُدَّ بالعرف (١)
اعلم - رحمك الله تعالى - أن الأحكام الشرعية إما أن يرد تحديدها من قبل الشرع كنصب الزكوات وركعات الصلوات والحدود والكفارات ونحوها، وإما أن يرد الحكم مطلقاً عن التحديد. فأما الأول فلا يدخل معنا في هذه القاعدة، وأما الثاني وهو ما لم يرد في الشرع تحديده فلنا فيه حالتان: إما أن نجد له تحديدًا في اللغة كزوال الشمس وتحديد حد اللحية - على قول - فهذا نحده باللغة لأن الأحكام نزلت بلغة العرب {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} فوجب حمل ألفاظها على المتقرر في هذا اللسان، لكن إذا لم يرد لهذا الحكم تحديد لا في الشرع ولا في اللغة فإن الصحيح عند المحققين أن يحد بالعرف أي بالعادة المطردة عند الناس أو الأفراد، وهذه القاعدة فرع من فروع القاعدة الكبرى (العادة محكمة) ، ذلك أن ما اعتاده الناس فيما بينهم إذا لم يخالف دليلاً شرعيًا ينزل منزلة المشروع لا تنبغي مخالفته، وتحد به الأحكام الشرعية التي لم يرد لها حد في الشرع ولا اللغة وقد أمرنا الله بذلك في أكثر من آية فمن ذلك قوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فرد معاشرة الزوج لزوجه إلى العرف ويدخل تحت ذلك النفقة عليها وكسوتها والإتيان لها بخادم ونحو ذلك، كل ذلك يدخل تحت كلمة (المعروف) .
ومن ذلك قوله تعالى:{وَأمُرْ بِالْعُرْفِ} فسرها بعض العلماء بذلك، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) . إذا عرفت هذا فاعلم أن هذا الحكم المبني على التحديد العرفي يختلف باختلاف الأعراف ولا يعد هذا من تغيير الشريعة أو تحريفها البتة، وهو المراد بقولهم:(تغير الأحكام بتغير الأزمان) .