والمراد بالمباح ما لا يدخل تحت ملك المعصوم، من الأراضي والبقاع وما يخرج من الأرض من الكلأ والمرعى ونحوها كل ذلك من المباحات التي لا يتعلق بها ملك معصوم أي لا أحد يملكها ملكًا خاصًا، بل هي عامة لكل أحد أي أن نفعها لا يختص بأحد دون أحد، بل هو حق للجميع، فهذا هو ما نعنيه بالمباح، فهذا المباح يكون حقًا لمن سبق إليه قبل غيره، بمعنى أنه يدخل تحت ملكه ويكون حقًا له إذا سبق إليه قبل غيره، وقولنا:(فهو أحق به) أي أن الذي سبق إليه قبل غيره يكون أحق بالانتفاع بهذا المباح ما دامت يده عليه سواءً المشاهدة أو الحكمية، فإذا زالت فإنه يعود إلى حالته الأولى، والدليل على هذه القاعدة ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(من عمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق بها) ، قال عروة:(وقضى به عمر في خلافته) ، وعن سعيد ابن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:(من أحيا أرضًا ميتةً فهي له) رواه الثلاثة وحسنه الترمذي. وهذا النص وإن كان في الأرض الميتة، لكن يقاس عليه سائر المباحات بجامع الإباحة في كلٍ والمراد بالأرض الميتة أي المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك المعصوم، فأثبت الحديث أن من سبق إلى هذه الأرض الميتة فأحياها بما يحصل به الإحياء أنها له، ويقاس على ذلك سائر المباحات التي لا تدخل تحت ملك المعصوم.
ومن الأدلة: أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يقيم الرجل غيره من مجلسه فيجلس مكانه، ذلك لأنه سبق إلى هذا الموضع فيكون أحق به من غيره، فلا يجوز الاعتداء عليه واستلابه منه، والمسجد حق عام للمسلمين جميعهم لكن إذا سبق أحد إلى موضع منه فيكون هو أحق به ما دامت يده المشاهدة عليه، وإن قام منه فإن عاد إليه قريبًا فهو أحق به وإن طال الفصل سقط حقه فيه.