[٣٤ - العبادات تتفاضل باعتبار ما يقترن بها من المصالح]
وهذا هو الحق، وفهم هذه القاعدة يعطي طالب العلم ملكةً في التفضيل بين العبادات، فالعبادات الفاضلة قد تكون أحيانًا وفي بعض الظروف مفضولة، والمفضولة تتحول إلى فاضلة، وكل ذلك باقتران المصلحة من عدمها، فالذي ينبغي لطالب العلم الاهتمام به هو النظر في المصلحة، فكل عملٍ اقترنت به المصلحة فهو الفاضل وما ضده فمفضول، فالنظر في المصالح والمفاسد هو لب الشريعة، بل إن الشريعة ما جاءت إلا بتقرير المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، فلا ينبغي إهمال النظر في المصالح.
وهذه القاعدة لها أدلة كثيرة جدًا نذكر طرفًا منها:
فمن ذلك: قوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فلاشك أن سب آلهة المشركين المجرد عمل فاضل وترك سبها عمل مفضول لكن لما اقترنت بالسب مفسدة أعظم وهي سبهم - أعني المشركين - لله تعالى، وسكوتنا عن سب آلهتهم فيه سكوتهم عن سب ربنا جل وعلا، انقلبت المسألة فصار الفاضل مفضولاً، والمفضول فاضلاً أي أن السب تحول من كونه فاضلاً إلى كونه مفضولاً لوجود المفسدة، وترك سب آلهتهم تحول من كونه مفضولاً إلى كونه فاضلاً لوجود المصلحة وهي سكوتهم عن سب ربنا جل وعلا. فالفاضل لما اقترنت به مفسدة صار مفضولاً، والمفضول لما اقترنت به المصلحة صار فاضلاً.