إذًا هناك فرق بين ترتب الإثم وترتب الضمان، فلا يترتب الإثم إلا بالشروط الثلاثة وأما الضمان فإن سببه الإتلاف بغض النظر عن المتلف، بل الضمان يكون بإتلاف غير المكلف كالمجنون والبهيمة ذلك لأنه من الأحكام الوضعية لا التكليفية، والله تعالى أعلم.
القاعدة السابعة عشر
١٧ - من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه فلا
اعلم - رحمك الله تعالى - أن الأصل أن كل من أتلف شيئًا فإن عليه ضمانه، وهذا الأصل قد دلت عليه الأدلة الشرعية، لكن هذا الأصل ليس على إطلاقه وإنما يخص منه الجزء الثاني من هذه القاعدة، وذلك أن الإنسان إذا تعمد إتلاف شيء فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون لضرورة وإما لا، فإن كان أتلف مال غيره بلا ضرورة فهو ضامن مطلقًا، وأما إذا أتلفه للضرورة فلا يخلو من حالتين: إما أن يتلفه حتى يدفع الضرورة به، وإما أن يتلفه ليدفع ضرره عنه، والحالتان مختلفتان وبيان اختلافهما هو أن الضرورة إذا قامت بالإنسان كجوعٍ ونحوه ووجد حيواناً لإنسان آخر فذبحه ليأكله فإنه في هذه الحالة أتلف مال غيره ليدفع به الضرورة عن نفسه، وأما الثانية كأن يصول عليه حيوان مفترس لغيره فيدفع ضرره عنه بقتله. ففي الحالة الأولى لم يصدر من المُتْلَفِ أيَّ أذىً وإنما حصل الاعتداء عليه، وفي الحالة الثانية لم يحصل من المُتْلِفِ تعدٍ وإنما الأذى حصل من المُتْلَفِ فدفع المُتْلِفِ أذى المُتْلَفِ عنه، فبان الفرق بينهما.
إذا علمت هذا واتضح الفرق فاعلم أنه إذا تعدى أحد على مال غيره بإتلاف لقصد الانتفاع بمال الغير فإنه متعدٍ وكل متعدٍ فهو ضامن لما أتلفه، ومن دفع عن نفسه أذى غيره فالواجب عليه أن يدفعه بالأسهل فالأسهل فإن أدى دفاعه عن نفسه إلى إتلاف المتعدي فإنه في هذه الحالة لا ضمان عليه لأنه لم يتعد وإنما دفع الأذى عن نفسه وهذا واضح - إن شاء الله - ويتضح أكثر بذكر الفروع على كلا الأمرين: