ومنها: قد دلت الأدلة على تحريم وطء الحائض وأنه أذىً، ففي وطئها مفاسد كثيرة ودم الحيض من أخبث الدماء نجاسة وأنتنها ريحًا، لكن أجاز الفقهاء وطأها لمن به شبق بشرطه وهو ألا يكون له زوجة أخرى ولا أمة وليس عنده ما يتزوج به ولا ما يشتري به أمة ولا تندفع شهوته إلا بالوطء في الفرج فإذا توفرت هذه الشروط فإنه يجوز له حينئذٍ وطؤها في فرجها، فلما ثبت جواز ذلك شرعًا فإنه يرتفع الأذى والضرر قدرًا إذ لا جواز مع الضرر، والله أعلم، وعلى ذلك فقس.
فإن قلت: كيف تقول لا جواز مع الضرر وقد كانت الخمرة حلالاً ثم حرمت لخبثها ولما فيها من الضرر، وكانت الحمر الأهلية حلالاً ثم حرمت لخبثها ونجاستها ولما فيها من الضرر فكيف تكون حلالاً مع ما فيها من الضرر والخبث الذي اقتضى تحريمها بعد؟
أقول: هذا سؤال جيد، وهو وارد علينا لو لم يكن له جواب لكن له جواب ولله الحمد والمنة وهو: أننا نعتقد اعتقادًا جازمًا أن الخمر والحمار الأهلي وغيرها لما كانت حلالاً لم يكن فيها أي مفسدة أو ضرر وإنما هذه المفسدة وهذا الضرر خلق فيها لما حرمت، فلما حرمت اتصفت بذلك والله جل وعلا هو خالق هذه الأشياء بذواتها وصفاتها وأحكامها، فلا يبعد ذلك عنه جل وعلا، فعلى هذا تكون القاعدة سالمة من هذا الاعتراض (١) ، والله أعلم.
القاعدة الثامنة والثلاثون
٣٨ - سَدُّ الذرائع
وهذه من أكبر القواعد الفقهية في الشريعة، وهي من أهم المهمات لطالب العلم، وأنا أذكر لك فيها طرفًا صالحًا يغنيك عن غيره - إن شاء الله تعالى - فأقول:
(١) في هذا الجواب نظر وربما يقال: إن المفسدة التي فيها في وقت قد تكون المصلحة في عدم تحريمها في ذلك الوقت راجحة على تحريمها ولذلك لم تحرم مراعاة لهذه المصلحة فتكون المفسدة منغمرة في جانب هذه المصلحة والله تعالى أعلم.