[٣٠ - الأصل في شروط العبادات المنع والحظر إلا بدليل، والأصل في الشروط في المعاملات الحل والإباحة إلا بدليل]
قد تقدم لنا أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، وهذا عام في أصل العبادة وشرطها وصفتها، فلا يجوز اختراع عبادةٍ لا أصل لها، ولا اختراع صفةٍ لها، ولا اشتراط شرط فيها إلا بدليل صحيح صريح.
وتقدم أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة، وهذا عام في أصلها أو صفتها أو الشروط فيها، وهذا القاعدة التي نحن بصدد شرحها فرع من هاتين القاعدتين.
وبيانها أن يقال: إن الله تعالى قد تعبدنا بالفرائض والواجبات والسنن وأرسل لنا الرسل وأنزل لنا الكتب لتدلنا على هذه العبادات ولم يترك الله تعالى لعقولنا مدخلاً في باب العبادات؛ لأن العقل لا يستقل بإدراك ما يجوز التعبد به مما لا يجوز، فإذا علم هذا فاعلم أن الذي فرض علينا الفرائض والواجبات وسن السنن جعل لها شروطًا لا تصح إلا بها؛ لأنه يعلم أنها لا تكون عبادة إلا بهذه الشروط، فمن هذه الشروط قائم على اشتراطه هو جل وعلا في القرآن أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فلابد من الجمع بين العبادة وشروطها التي دلت عليها الأدلة الصحيحة كالصلاة وشروطها والزكاة وشروطها والحج وشروطه والصوم وشروطه وهكذا، فلا يجوز لأحدٍ من الناس أن يربط صحة هذه العبادة بشرطٍ ما إلا إذا دل الدليل على اشتراطه؛ لأن الشرط في العبادات لا يكون إلا من الشارع فقط؛ لأن مبناه على الغيب والتوقيف، فمن فتح لعقله باب الاشتراط في العبادة فقد جعل نفسه مشرعًا مع الله تعالى، وكذلك لا يجوز ربط العبادة بشرط لم يدل عليه إلا دليل ضعيف فالأدلة الضعيفة لا يحتج بها في باب الأحكام، فمن عرف ذلك انكشف له زيف كثير من الشروط التي يمليها الفقهاء في بعض العبادات مما لا دليل عليه أصلاً أو عليه دليل ضعيف.
ولوضوح ذلك أضرب بعض الأمثلة على هذا الشطر من القاعدة فأقول: