اعلم - رحمك الله تعالى - أن الواجب هو أداء الحقوق إلى أصحابها إذا عرفوا ولا يجوز منع أصحابها منها بغصبٍ أو مماطلةٍ ونحو ذلك، بل إذا عرف صاحب الحق فهو أحق به من غيره، سواءً كان صاحب الحق فردًا أو جهة معينة؛ لأن هذا من أداء الأمانات وقد قال الله تعالى:{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أهْلِهَا} وهو نص عام في جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلاة والزكاة والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه لا يطلع عليه العباد، وكذلك حقوق العباد بعضهم على بعضٍ كالودائع وغيرها، وعن سمرة بن جندبٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) رواه أحمد والأربعة وصححه الحاكم، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك) رواه أبو داود والترمذي وحسنه وصححه الحاكم، وعنه - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) رواه البخاري، وقال الله تعالى:{فَإِنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} فالقاعدة العامة في الشريعة هو أن الإنسان يجب عليه أداء الحقوق إلى أصحابها، لكن هذا إذا كان أصحابها معروفين، أما إذا كانوا لا يعرفون وليس إلى معرفتهم سبيل أو علمناهم ولكن جهلناهم، فما العمل حينئذٍ في هذا الحق؟ هذا هو ما تقرره هذه القاعدة وهو أن صاحب الحق إذا جهل فإنه ينزل منزلة المعدوم أي كأنه لم يوجد، والمعدوم هو الذي ليس في حيز الوجود، فكل ما ليس في حيز الوجود فهو معدوم، فننزل صاحب هذا الحق منزلة المعدوم أي نخرجه عن حيز الوجود،