ومنها: الأرض التي وقع بها الطاعون، فإن من كان فيها لا يخرج منها هربًا منه فقعوده فيها مع ظنه الهلاك لا يؤثر؛ لأنه من باب البقاء، ولا يُعَدُّ بفعله ذلك قاتلاً لنفسه ولا أنه يلقي بنفسه للتهلكة، وأما من كان خارجًا عنها فإنه لا يجوز له ابتداء دخولها؛ لأن الإنسان يحرم عليه أن يلقي بنفسه في التهلكة، وهو مأمور بالمحافظة على نفسه، فالبقاء فيها مغتفر وابتداء دخولها محرم؛ لأنه يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء، وفي الصحيح من حديث عبد الرحمن بن عوف مرفوعًا:(إذا وقع عليكم وأنتم بأرضٍ فلا تخرجوا منها فرارًا منه وإذا سمعتم به في بلدٍ فلا تقدموا عليه) ، والله أعلم.
ومنها: نكاح الأمة فإنه يجوز بشرطين: أن لا يستطيع مهر حرة، وأن يخاف على نفسه العنت لقوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ... } إلى قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} أي الوقوع في الفاحشة، فإذا توفر هذان الشرطان فيجوز له نكاحها، فإذا أيسر أو ذهب خوف الوقوع في العنت فإنه حينئذٍ لا يصح له ابتداء نكاح أمةٍ أخرى لكن لا ينفسخ عقد الأمة التي عنده؛ لأن المحرم هو ابتداء العقد لا استمراره، ذلك لأن البقاء أسهل من الابتداء، ولو تتبعنا الفروع لأطلنا والمقصود الاختصار ما أمكن والإشارة تغني عن التطويل فعلى هذه الفروع قس، والله أعلم.
القاعدة الرابعة والخمسون
٥٤ - تستعمل القرعة في تمييز المستحِقِّ
إن هذه الشريعة شريعة كاملة،لم تدع شيئًا مشتبهًا يؤدي اشتباهه إلى التنازع إلا وجعلت في تمييزه طرقًا كثيرة، ومن هذه الطرق القرعة، والقرعة هي السهمة، والمقارعة المساهمة، والأصل فيها الكتاب والسنة.