أي لا يفرد بحكم عن متبوعه، بل حكمه هو حكم متبوعه إلا بدليل، فالأشياء التي استقرت العادة العرفية المطردة أنها تكون تابعة لأشياء فإنها تدخل معها في بيعها وشرائها ولا تفرد عنها بحكم، بل لا ينظر إلى التابع بعين الإنفراد أبدًا، وإنما ينظر إليه تبعًا لمتبوعه، فالذي يتبع غيره في وجوده فإنه يتبعه في حكمه، سواءً كانت هذه المتابعة بأصل الخلقة أو بالاستقرار العرفي، ويعبر عنها بعض الفقهاء بقوله: التابع تابع، والمذكور في الأعلى إنما هو شرح لها وتوضيح لمعناها.
وقولنا:(التابع في الوجود) هذه المتابعة نوعان: إما بأصل الخلقة أي أن الله تعالى خلق هذا الشيء تابعًا لهذا الشيء، فلا يوجد إلا بوجوده، وإما أن تكون عرفية عرفًا مطردًا أي أن العرف يقرر متابعة هذا الشيء لهذا الشيء، وفي كلتا الحالتين يكون التابع في الوجود تابعًا في الحكم إلا أن يدل الدليل الشرعي أو العرفي بفصل بعضها عن بعض، ولكي تتضح هذه القاعدة أضرب بعض الفروع عليها، وإن رأيت في بعضها نقاشًا فإنما المقصود مطلق التفريع ليتدرب الطالب على تخريج الفروع على الأصول:
فأقول: منها: أطفال المؤمنين، أجمع العلماء إلا من شذ أنهم مع آبائهم في الجنة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عنهم قال:(في الجنة مع آبائهم) ، ذلك لأنهم تبع لآبائهم في الوجود فيتبعونهم في الحكم لأن التابع في الوجود تابع في الحكم، ولعل قائل أن يقول: ذلك يقتضي أن أطفال المشركين مع آبائهم في النار؟ قلنا: نعم، قاعدتنا تقتضي ذلك، وقال به بعض أهل العلم، لكن هذا لا يلزمنا؛ لأننا قلنا في نص القاعدة (إلا بدليل) فإذا وجد عندنا دليل يفك هذا التلازم فإننا نعمل به، وقد وجد عندنا دليل يفك هذا التلازم، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - لما سئل عنهم:(الله أعلم بما كانوا عاملين) وفي الحديث الآخر الصحيح (١)