وتسمى قاعدة العقود، ومعناها: أنه إذا أبرم شخصان عقدًا فإنه لا ينظر إلى الألفاظ التي يستعملها المتعاقدان، وإنما ينظر إلى مقاصدهم الحقيقية من الكلام التي يلفظ به حين العقد؛ لأن المقصود بالعقود هو معناها، وليس اللفظ ولا الصيغة المستعملة، فالألفاظ إذا كانت تنص على شيء والمقاصد والبواعث والنيات والحقائق على شيء آخر فنطرح اللفظ ونعمل بالمقصد، ومن تدبر مصادر الشريعة ومواردها تبين له أن الشارع ألغى الألفاظ التي لم يقصد المتكلم معانيها، بل جرت على غير قصدٍ منه كالنائم والناسي والسكران والجاهل والمكره والمخطئ من شدة الفرح أو الغضب أو المرض ونحوهم. ولم يكفر من قال من شدة فرحه براحلته بعد إياسه منها:(اللهم أنت عبدي وأنا ربك) فكيف يعتبر الألفاظ التي يقطع بأن مراد قائلها خلافها، ولهذا رد شهادة المنافقين ووصفهم بالخداع والكذب والاستهزاء وذمهم على أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وأن بواطنهم تخالف ظواهرهم، وذم تعالى من يقول ما لا يفعل، وأخبر أن ذلك عنده من أكبر المقت، ولعن اليهود إذ توسلوا بصورة عقد البيع على ما حرمه عليهم إلى أكل ثمنه، وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عاصرها ومعتصرها، ومن المعلوم أن العاصر إنما عصر عنبًا، ولكن لما كانت نيته إنما هي تحصيل الخمر لم ينفعه ظاهر عصره، وعومل بنيته الفاسدة، فمن تدبر ذلك علم علمًا يقينيًا أن الشريعة ما أهملت النظر في مقاصد الأقوال والأفعال،وأن من اقتصر على النظر إلى ظواهر الألفاظ فقط فإنه قد يحلل الحرام ويحرم الحلال وينصر الظالم ويعينه على ظلمه، ويصحح الفاسد إذًا فالمقاصد لها شأن كبير في الشريعة، وهي الأصل وإنما جعل اللفظ معبرًا عنها، فإذا اختلف معها قدمناها عليه.