وهذه القاعدة تمثل أصلاً كليًا عند شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمة الله عليه -، بل هي من أكبر القواعد الكلية عنده، لتعلقها بالتكليف، ومعناها أن الله تعالى أرسل رسله وأنزل كتبه ليدل الناس عليه ويعرفهم به، وليبين لهم ما يجوز التعبد به له مما لا يجوز وذلك لا يمكن أبدًا على وجه التفصيل إلا بمعرفة ما جاءت به الرسل، وإلا فالإنسان بلا رسالة في ضلال مبين وفي ظلمة حالكة لا يبصر فيها طريقه، لكن من رحمة الله تعالى بنا أن أبان لنا الحجة وأوضح لنا المحجة بإرسال الرسل وإنزال الكتب، ومن رحمته أيضًا ومن مقتضى عدله أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد أن تقوم عليه الحجة الرسالية ببلوغها إليه وفهمه لها، قال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا} وقال تعالى: {وَأوحِيَ إلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} أي وأنذر من بلغه وأما من لم يبلغه هذا القرآن فإن النذارة لم تقم عليه، ولذلك اشترط الأصوليون العلم بالمكلف به لقيام التكليف على الشخص، فمن لم يعلم ما كلف به فهو غير مكلف به، إن كان جهله به من الجهل الذي يعذر به صاحبه، وبالتالي فلا يعاقب على تركه إن كان مأمورًا بفعله ولا بفعله إن كان مأمورًا بتركه، ذلك أن العقوبة لا تكون إلا بعد قيام الحجة بالإنذار فالتكليف مشروط بالقدرة على العلم والعقوبة مشروطة بقيام الحجة وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة جدًا قد ذكرنا طرفًا منها في كتابنا (المباحث الجلية في رد المسائل الخلافية إلى الكتاب والسنة) ونذكر هنا طرفًا منها: فمن ذلك: الآيتان السابقتان.