ومنها: كل آية تدل على أن الشريعة لا تكلف نفسًا إلا وسعها ولا تحمل أحدًا ما لا طاقة له به، وأنها تريد اليسر لا العسر وأن الله قد وضع عنا الآصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، كل ذلك يدل على هذه القاعدة إجمالاً.
ومنها: حديث عدي بن حاتم لما أكل في رمضان وقد طلعت الصبح متأولاً قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ} فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك فقال:(إن وسادك لعريض إنما هو نور الفجر وظلمة الليل) ولم يأمره بقضاء لأنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لعدم فهمه للآية وعدم الفهم الصحيح لمراد المتكلم نوع من أنواع الجهل كما قرر ذلك أهل اللغة فعذر؛ لأنه لم يعلم المراد ولم يعاقب؛ لأنه لم تقم عليه الحجة، ولم يؤمر بالقضاء؛ لأنه لم يكلف بما في الآية لعدم فهمه لها، فصدق قولنا أنه لا تكليف إلا بعلم ولا عقوبة إلا بإنذار.
ومنها: الرجل الذي جاء براوية خمرٍ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن حرمت فأهداها له فقال:(ما هذا ألم تعلم أنها حرمت) ففتح الأعرابي الزق فأراقه بين يديه والحديث عند مسلم، فهذا الأعرابي لم يكلف بامتثال ما جاء في تحريم الخمر؛ لأنه لا يعلم بها، فلا تكليف إلا بعلم، وبالتالي لم يعاقب على عمله ذلك؛ لأنه لم ينذر، ولا عقوبة إلا بعد إنذار.
ومنها:(جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ... إلخ) الحديث، وهو من حديث أنس في الصحيحين، وهو مشهور ووجه الاستشهاد منه أن هذا الأعرابي لم يكلف بالأدلة الدالة على تحريم ذلك الفعل؛ لأنه لا يعلمها، ولا تكليف إلا بعلم ولم يعاقب على فعله ذلك لأنه لا عقوبة إلا بإنذار وهو لم تقم عليه الحجة.