وهي قاعدة أصولية، لكنها من أهم القواعد التي ينبغي عدم إهمالها، ويقبح بطالب العلم جهلها لكثرة الفروع المخرجة عليها. وهي قاعدة تشتمل على بحثين:
الأول: تأخير البيان عن وقت الحاجة. والثاني: تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة. فأما الأولى: فاعلم أنه لا يجوز تأخر البيان عن وقت الحاجة باتفاق العلماء إلا على قول من قال بجواز التكليف بالمحال، لكن اتفقوا جميعًا على أنه غير واقع شرعًا وذلك لقوله تعالى:{ثمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ، ولقوله تعالى:{وَأنزَلْنَا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ، ولأن الإتيان بالشيء مع عدم العلم به محال، إذ من شروط التكليف العلم بالمكلف به، والتكليف بما لا يُعلم تكليف بما لا يطاق، وقد قال تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَها} وهذا ليس من وسعها، وقد نقل القاضي في مختصر التقريب إجماع أرباب الشرائع على ذلك، وبما أنها مسألة متفق عليها بين العلماء فلا داعي للإطالة فيها. وأما البحث الثاني: فهو في حكم التأخير عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة فهذا فيه خلاف طويل بين الأصوليين، والقول الراجح طلبًا للاختصار هو القول بجواز ذلك، وهي الرواية المشهورة في المذهب سواءً كان اللفظ المبيَّن عامًا أو مجملاً أو مطلقًا فيجوز تأخير تخصيصه أو توضيح المراد منه أو تقييده عن وقت الخطاب به إلى وقت الحاجة وهو قول بعض الشافعية والمالكية وبعضهم منع ذلك، لكن الصواب ما رجحناه وذلك للدليل الأثري والنظري، فأما الأثري فقوله تعالى:{كِتَابٌ أحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} وقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثمَّ إنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} فرتب