ومنها: تفاضل العبادات بحسب الأشخاص، فمن الناس من يكون الجهاد أفضل في حقه، ومنهم من يكون طلب العلم أفضل في حقه،ومنهم من يكون الاشتغال بالذكر أفضل في حقه، فإياك أن تفتي الناس بتفاضل العبادة بذاتها، وإنما بما هو أصلح لكل أحد بحسبه وعلى ذلك يحمل اختلاف الأحاديث في الذين يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (أي العمل أفضل) .
ومنها: من المعلوم أن صلاة الجنازة لها أجرها العظيم وثوابها الجزيل وهو قيراط مثل جبل أحد كما في الحديث، وترك الصلاة عليها أمر مفضول وتضييع لهذا القيراط، لكن إن اقترنت بالترك مصلحة شرعية فإنه يكون فاضلاً وذلك ككون الميت مدينًا أو غالاً أو مبتدعًا أو مصرًا على كبيرةٍ من الذنوب فإن امتناع الأمراء والوجهاء وأهل الدين والصلاح من العلماء والعباد وغيرهم، امتناعهم من الصلاة عليه زجرًا للناس عن فعله، وردعًا لهم عن مواقعة جرمه أمر فيه غاية المصلحة، فيكون فاضلاً لاقتران هذه المصلحة، وعلى ذلك يخرج امتناعه - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة على الغال وعلى قاتل نفسه وعلى من عليه دين وذلك كله مراعاة للمصلحة. وعلى هذه الفروع قس.
وخلاصة الكلام هو أن العبادات تتفاضل باعتبارين، باعتبار ذاتها، وباعتبار المصلحة المتعلقة بها، والذي ينبغي للطالب هو مراقبة هذه المصلحة والحكم بالفضيلة باعتبارها كما مرَّ في هذه الفروع، والله وأعلم.
القاعدة الخامسة والثلاثون
[٣٥ - يجوز التطوع بجنس الفرض الفائت قبل أدائه إن أمكن فعله في وقته]
أقول: اعلم - رحمك الله تعالى - أن الواجب باعتبار وقته نوعان:
واجب موسع، وواجب مضيق: والواجب الموسع هو ما يتسع لفعله ولفعل غيره من جنسه كوقت الصلاة فإنه طويل يسع الصلاة نفسها ويسع صلوات غيرها إما نوافل وإما فرائض فائته، فكل وقتٍ يتسع لأداء ما وجب فيه ويتسع لفعل غيره من جنسه فهو الوقت الموسع.