وأما المضيق فهو الذي لا يتسع لغيره من جنسه كشهر رمضان فإنه لا يتسع إلا لفعله فقط فلا يتسع للتطوع بالصيام أو قضاء رمضان آخر أو فعل صيام منذور مثلاً، بل لا يتسع إلا لصيامه فقط وهذا هو القول الصحيح خلافًا للحنفية الذين يقولون: من جاز له الفطر فيجوز له صيام غير رمضان في يوم الجواز،فهذا قول كأنه مجانب للأدلة – رحم الله من قاله وغفر له – والمقصود: أن تعرف الفرق بين الواجب الموسع والواجب المضيق إذا علم هذا فليعلم أن من وجب عليه شيء من العبادات أو الحقوق المالية فهل يجوز له أن يتطوع بجنس هذه العبادة أو جنس ذلك الحق قبل أداء الفريضة أو لا يجوز؟
هذا هو ما تفيده القاعدة التي نحن بصدد شرحها، وبعبارة أدق نقول: إذا دخل وقت الصلاة مثلاً فإنها تجب بدخول وقتها، فهل يجوز للإنسان أن يتنفل في هذا الوقت قبل أداء الواجب عليه أم لا؟ كذلك إذا وجبت عليه الزكاة، فهل يجوز له أن يتصدق قبل أداء الزكاة أم لا؟ هذا
هو نص القاعدة.
والجواب أن يقال: إن الحقوق والفروض نوعان: حقوق لله تعالى، وحقوق للآدميين، فأما الأول: فإنه إذا وجب عليك فرض فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون وقته موسعًا وإما مضيقًا، فإن كان وقته موسعًا فإنه يجوز لك التطوع بجنسه قبل أدائه على القول الصحيح، وأما إن كان مضيقًا فلا يجوز لك ذلك، بل الواجب عليك أن تؤدي الفرض أولاً ثم إن شئت التطوع بجنسه فلك ذلك، وعلى ذلك فروع:
منها: يجوز للإنسان أن يتطوع بالصلاة بعد دخول وقت الفرض بما شاء من التطوعات؛ لأن وقت الفرض وقت موسع، لكن إذا تضايق الوقت بحيث لم يعد يتسع إلا لإيقاع الصلاة المفروضة فقط فإنه لا يجوز حينئذٍ التطوع بالصلاة، بل يجب أداء الفرض؛ لأن الوقت أصبح مضيقًا.