وأحسب - إن شاء الله تعالى - أن هذين الأصلين قد اتضحا كل الوضوح - إن شاء الله تعالى -، والله تعالى أعلى وأعلم.
القاعدة الخامسة والأربعون
[٤٥ - كل وسيلة فإن حكمها حكم مقصدها]
اعلم - رحمك الله تعالى - أن هذه الشريعة كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولا يخرج عنها شيء من الأشياء يحتاجه الناس في عباداتهم أو معاملاتهم إلا وله فيها حكم شرعي، ويفرق بين كونه وسيلةً أو مقصدًا،فإن كان مقصدًا من المقاصد فحكمه واضح؛ لأن الشريعة حرصت على تبيين أحكام المقاصد، وإن كان وسيلة فإنه يكون تابعًا لحكم قصده، فإن كان يقصد به حرامًا فهو حرام، وإن كان يقصد به واجبًا لا يتم إلا به فهو واجب، وإن كان يقصد به سنة فهو سنة، أو مكروهًا فهو مكروه أو مباحًا فهو مباح، ولا يخرج شيء عن هذه الأحكام الخمسة، وهذا من كمال الشريعة، فإنها إذا حرمت شيئًا حرمت جميع الوسائل المفضية إليه وإذا أوجبت شيئًا أوجبت جميع الوسائل التي لا يتم إلا بها وهكذا، ذلك لأن من تمام تحريم الشيء تحريم وسائله وسد جميع ذرائعه، ومن تمام إيجاب الشيء إيجاب جميع الأشياء التي يتوقف حصوله عليها، فيدخل تحت هذا الأصل الكبير قواعد كثيرة نأتي عليها قاعدة قاعدة بفروعها - إن شاء الله تعالى - فأقول:
القاعدة الأولى:(ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) : أي أن جميع الأشياء التي يتوقف عليه تحقق الواجب وصحته فهي واجبة إن كانت داخلة قدرة الإنسان وكان مأمورًا بتحصيلها، وأزيد الأمر وضوحًا فأقول: إن ما لا يتم الواجب إلا به قسمان:
الأول: أن لا يكون داخلاً تحت قدرة المكلف أصلاً كزوال الشمس لوجوب الظهر، وغروبها لوجوب المغرب، وحلول شهر رمضان لوجوب الصوم وهكذا فهذا لا يدخل تحت قاعدتنا.