تفصيل الآيات على أحكامها وبيان القرآن على القراءة بحرف (ثم) وهي تفيد التعقيب مع التراخي وذلك يقتضي جواز تأخير البيان، وقد أجمعنا على عدم جوازه عن وقت الحاجة، فلم يبق إلا جوازه إليها وهو المطلوب.
ومن الأدلة أيضًا: قصة بني إسرائيل لما أمرهم الله تعالى بذبح البقرة فإنه أخر بيانها أعني بيان صفتها حتى راجعوه فيها مرارًا وذلك في قوله تعالى: {وَإذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} إلى قوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} وذلك يدل على جواز تأخير البيان إلى وقت الحاجة (١) .
ومن الأدلة أيضًا: أن الله تعالى أخر بيان أن ابن نوحٍ ليس من أهله إلى وقت الحاجة وذلك أنه سبحانه قال لنوح - عليه السلام -: {اصْنَعْ الْفُلْكَ} وأمره أن يحمل فيها من كلٍ زوجين اثنين وأهله، وهو عام في ابنه وغيره فلما أدرك ابن نوحٍ الغرق خاطب نوح ربه عز وجل فيه بقوله:{إنَّ ابْنِي مِنْ أهْلِي وَإنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ} أي وعدتني أن تنجيني وأهلي وأنت أهلكته فأنجه، فقال سبحانه:{إنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهْلِكَ} فسكت نوح بعد أن سمع ما سمع خائفًا مستغفرًا، فهذا من تأخير البيان إلى وقت الحاجة.
(١) في هذا الإستدلال نظر لأن الأصل الأمر ببقرة مطلقه فلما شددوا شدد الله عليهم.