أقول: هذا السؤال مكون من شقين: فأما الأول: فاعلم أن من أكره على الكفر فإنه يباح له الكفر الظاهر لا الباطن، أي يجوز له موافقة المكرِه بقول الكفر أو فعله ظاهرًا لكن لا يجوز له ذلك في الباطن؛ لأنه لا استيلاء للمكرِه على الباطن ولا علم له به. ودليل ذلك الآية السابقة:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إيمَانِهِ إلا مَنْ أكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ، وللحديث السابق ذكره:(عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) لكنه لو كفر في الباطن لخرج عن الإسلام؛ لأنه فعل ذلك باختياره؛ لأنهم لم يكرهوه على الكفر القلبي، وإنما أكرهوه على الكفر في الظاهر فقط، ولذلك قال الله تعالى:{وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} لكن عندنا حديث مشكل وهو حديث طارق بن شهاب - رضي الله عنه - في: أن رجلاً دخل الجنة في ذباب ورجل دخل النار في ذباب، قالوا: كيف ذلك يا رسول الله؟ قال:(مر رجلان على قومٍ لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئًا، فقالوا لأحدهما: قرب، فقال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا: قرب ولو ذبابًا فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار ... الحديث)(١) فهذا الرجل في ظاهر الحديث أنه لم يقرب ذبابًا إلا أنه يريد التخلص من القتل إذا لم يقرب، فهو إذًا مكره ومع ذلك عوقب على ذلك الفعل ودخل النار بسببه مع أنه كفر في الظاهر ولا ندري عن الباطن، وليس في الحديث ما يشير إلى أنه وافقهم في
(١) الحديث لايصح مرفوعاً بل هو موقوف على سلمان ومن أخرجه كالإمام أحمد في الزهد وأبي نعيم في الحلية أخرجاه عن طارق بن شهاب عن سلمان من قوله رضي الله عنه فهو موقوف، والأقرب أنه مأخوذ عن بني اسرائيل. ويكون إن صح من شرع من قبلنا وورد شرعنا بخلافه كما رجحته جزاك الله خيراً.