وكذلك الصيد الذي وقع في الماء بعد صيده فإنه يحتمل أمرين، إما أن يكون مات بسبب رمية السهم، أو يكون مات بسبب سقوطه في الماء وهو سبب يقتل غالبًا أعني الغرق بالماء، فهنا سببان وكلاهما معلوم ظاهر، لكن كونه مات بسبب ارتطامه بالماء وغرقه فيه أظهر وأثبت؛ لأنه لم يجرحه السهم جرحًا موحياً: أي قاتلاً، ولذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فلا تأكل) تغليبًا للسبب المحرم؛ لأنه أثبت، وقد يكون هذا الفرع يدخل تحت قاعدة اجتماع السبب المبيح والحاظر، فيغلب جانب الحاظر.
إذا عرفت هذا فإليك الفروع وهي كثيرة جدًا لكن نقتصر على بعضها طلبًا للاختصار:
فمنها: إذا وقعت في الماء نجاسة فتغيرت أحد أوصافه ثم غبنا عنه غيبة يزول فيها وصف النجاسة غالبًا ثم وجدناه بعدها لا يزال متغيرًا وتغيره هذا يحتمل أنه من النجاسة التي علمنا وقوعها فيه أولاً، ويحتمل أنه من سببٍ آخر، فعندنا إذًا سببان: أحدهما: معلوم متيقن وهو أن يكون تغيره بوقوع النجاسة فيه. والثاني: مقدر مظنون وهي احتمالية سبب آخر، وعلى القاعدة نضيف هذا التغير إلى السبب المعلوم لا إلى المقدر المظنون، فنقول: إن هذا الماء نجس بسبب تغيره بالنجاسة التي وقعت فيه، وقد أجمع العلماء أن الماء سواءً كان كثيرًا أو قليلاً إذا وقعت فيه نجاسة وتغيرت أحد أوصافه إما لونه أو طعمه أو ريحه أنه نجس، والله أعلم.