فهذا بالنسبة للعبادات، وأما بالنسبة للتصرفات المالية وهي الحقوق التي بين العباد فإن مبناها على المشاحة لا المسامحة، فمن وجب في ماله حق لغيره وطالب به هذا الغير فهل يجوز له أن يتصرف في ماله قبل أداء هذا الحق؟ الجواب: فيه خلاف بين العلماء، ومذهب الأصحاب الجواز إذا لم يكن حجر عليه، وإن استغرق ماله كله، ولكن اختار الشيخ تقي الدين أنه لا ينفد شيء من ذلك مع مطالبة الغرماء بحقوقهم، وحكاه قولاً في المذهب وهو الراجح - إن شاء الله تعالى -، ذلك لأن الغرماء لما طالبوه تعلق حقهم بماله، وفي حديث جابر قال: أعتق رجل منا عبدًا له عن دبر ليس له مال غيره فدعا به النبي - صلى الله عليه وسلم - (فباعه) متفق عليه، وهذا القول هو الموافق للعدل، فإنه لو جاز تصرفه في ماله مع المطالبة لأدى ذلك إلى تفويت حق الغرماء وإلى خداعهم في إخراج ماله لمن اتفق معه على أنه صدقة، أو وقف ونحوه فإذا هدأت المطالبة رده عليه، فالقول الراجح هو أن من تعلق بماله حق لغيره فإنه لا يجوز له أن يتصرف في ماله بقدر هذا الحق، وأما ما زاد على قدر الحق فله التصرف فيه؛ لأنه لم تتعلق به حقوق للغير، وبناءً على هذا القول فإنه لا يصح وقف ما تعلق به حق للغير ولا بيعه ولا هبته ولا الصدقة به، وهذا مع مطالبة الغير بذلك وهذا القول هو الذي لا يسع الناس غيره خصوصًا في هذا الزمن الذي كثرت فيه المماطلات والكذب - والعياذ بالله تعالى -، والله تعالى أعلم.