ومنها: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (البائع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا، إلا أن تكون صفقة خيار، ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله) رواه الخمسة إلا ابن ماجه، فإن تعمد أحدهما لمفارقة صاحبه تقطع على الآخر حقه في خيار المجلس وتوجب البيع ففيها ضرر، فهي حيلة لإسقاط خيار المجلس الذي هو حق لهما فلا تجوز، وأما فعل ابن عمر فيجاب عنه بأنه لا حجة لفعل أحدٍ ولا لقوله مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو لأن ابن عمر لم يبلغه النهي وهذا هو الظن في هذا الصحابي الذي هو من أحرص الصحابة اتباعاً للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فلو أن النهي عن المفارقة بلغه لامتثل، والله أعلم.
فهذه بعض الأدلة على تحريم الحيل، وبها يتبين للمنصف أن تحريم الحيل أصل من أصول الشريعة، وأن القول بجوازها ظلم لا تأتي الشريعة به أبدًا، بل إن القول بجوازها فيه انتهاك لحجاب المحرمات وخوضٍ في حماها، ولذلك قال الناظم:
ولا تجوز الحيلة المحرمة ... ومن يقل تجوز قل ما أظلمه
ويشير الناظم في البيت إلى قول من قال بجوازها واستدل بأدلة من الكتاب والسنة، وكل أدلتهم لا تصلح دليلاً لما أرادوه، وقد تولى الإمام ابن القيم الرد على استدلالهم بها ردًا محكمًا بديعًا لم يسبق إليه، فارجع إليه إن شئت فإن ما كتبته في هذه القاعدة إنما هو نصف نقطةٍ في بحر ما كتبه - رحمه الله رحمة واسعة -.
وهنا مسألة مهمة جدًا قد يظن البعض أنها من الحيلة المحرمة وليست كذلك وهي مسألة التورق، وهي أن يشتري الإنسان سلعة بأجل بقصد بيعها والانتفاع بثمنها.