ثم اعلم أن الحرام نوعان: إما محرم لحق الله تعالى، وإما محرم لحق المخلوقين، وكلاهما لا تجوز مباشرتهما بأي أنواع المباشرة، لكن استثنى العلماء من ذلك مباشرة واحدةً فقط، وهي المباشرة من أجل التخلص من الحرام توبةً لله تعالى، فيجوز للإنسان أن يباشر الحرام بهذه النية فقط دون غيرها، وقلنا:(توبةً لله تعالى) حتى يخرج من باشره بقصد التخلص منه حتى لا يكشف أو ليخفي معالمه، فهذا لا يجوز، لكن إذا باشره ليتخلص منه لأنه تاب منه أو لإزالته عنه فهذا جائز، وعلى ذلك الفروع الآتية:
فمنها: أن من اغتصب دارًا فإنه لا يجوز له المكث فيها لا ببقاءٍ ولا بتنقلٍ فيها لكن إذا تاب من غصبه ومشى للخروج منها فمشيه هذا مباشرة للحرام لكن هذه المباشرة ليتخلص منه فهي جائزة.
ومنها: من طلع عليه الفجر في رمضان وهو يجامع زوجته، فنزعه فهل تجب عليه الكفارة أم لا؟ فيه خلاف فالمشهور من المذهب أن النزع جماع، أي يأخذ حكم الجماع؛ لأنه يحصل منه من اللذة والحرارة ما يحصل في الإيلاج، فإذا كان مثله في اللذة فليكن مثله في الحكم، وقال بعضهم: إن النزع ليس بجماع؛ لأنه لما نزع ذكره من فرجها إنما نزعه ليتخلص من الحرام؛ لأن الجماع في نهار رمضان محرم، ولا طريق له للتخلص منه إلا بالنزع فأجزنا له مباشرة الحرام بهذه النية؛ لأن مباشرة الحرام للتخلص منه جائز.
ومنها: أن مباشرة النجاسة محرمة، لكن يجوز الاستنجاء بالماء أو الحجر أي إزالة الخارج بأحدهما ولا يكون ذلك حرامًا؛ لأنه من باب التخلص منها، إذ لا طريق للتخلص من النجاسة الخارجة من أحد السبيلين إلا بمباشرتها بالإزالة.