أنبه على أمرٍ مهم جدًا وهو أن بعض البدع التي يفعلها المبتدعة قد تكون أصولها ثابتة بالكتاب والسنة ولكن اخترع المبتدعة فيها قيدًا أو شرطًا أو صفة جديدة لم يدل عليها الدليل فإذا أنكرت عليهم ذلك احتجوا عليك بالأدلة التي تثبت أصل العبادة كالأذكار الجماعية مثلاً فإنك إذا قلت لهم: هذه بدعة. قالوا لك: أو لا تقرأ قول الله: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات} وقوله: {اذكروا الله ذكرًا كثيرًا} ونحوها من الآيات الدالة على شرعية أصل الذكر، فإذا قالوا لك ذلك فقل لهم: إن العبادة قد تكون مشروعة بأصلها ممنوعة بوصفها، أي إن هذا الوصف الجديد يحتاج إلى دليل جديد ولا يكتفى فيه بمجرد الأدلة المثبتة لأصله، فالأدلة التي تثبت أصل العبادة شيء، وفعلها على وصفٍ معين شيء آخر، فلابد من دليل زائد يثبت هذا الوصف بعينه؛ لأن أصل العبادة توقيفي وكذلك كيفيتها وشروطها توقيفية كما تقدم لنا في بعض القواعد وذلك مثل قولنا إن دليل التحريم لا يستفاد منه النجاسة؛ لأن التحريم شيء والنجاسة شيء آخر، بل لابد من دليل آخر يدل على النجاسة ولا يكتفى بمجرد دليل التحريم فكذلك هنا فقولنا: الذكر الجماعي بدعة لا نعني به من حيث كونه ذكرًا إذا كانت ألفاظه لا محذور فيها وإنما نعني أن فعله بهذه الصفة هو البدعة وقس على ذلك، فعليك التفريق بين أدلة مشروعية الشيء وأدلة إيقاعها على صفةٍ معينة، فهذا من ناحية الأصل الأول.