فمن ذلك: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن الثمر المعلق فقال:(من أصاب بفيه من ذي حاجةٍ غير متخذٍ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ... ) الحديث.
فالثمر المعلق إذا أخذ الإنسان منه شيئًا وخرج به فإنه في منزلة السارق والسرقة عقوبتها قطع اليد، لكن هذا سقط عنه القطع؛ لأنه لم يأخذ المال من حرزه، والثمر مادام على رؤوس الشجر فليس في حرز، فلما سقطت عنه العقوبة ضوعف عليه الغرم في قوله:(فعليه غرامة مثليه) أي عليه ثمن ما أخذه ومثله معه، وهذا الحديث رواه النسائي والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن وفي بعض النسخ: حسن صحيح، والمراد أنه لما سقطت عنه العقوبة لعدم الأخذ من الحرز ضوعف عليه الغرم مرتين.
ومن الأدلة عليها: ما قضى به عمر - رضي الله عنه - وعثمان وعلي وابن عمر - رضي الله عنهم - من أنه إذا قلع الأعور عين الصحيح أنه لا يقتص منه؛ لأنه لو شرع القصاص في عينه العوراء لأدى ذلك إلى ذهاب بصره بالكلية وهذا حيف، ومن شرط إقامة القصاص الأمن من الحيف، وهنا فيه حيف، ذلك لأن الصحيح بقيت له عين ينظر بها، وأما الأعور فإنه ليس له إلا عين واحدة ينظر بها والأخرى ممسوحة فلو قلعناها قصاصًا لذهب بصره بالكلية، فسقطت عنه عقوبة القصاص، فلما سقطت عنه ضوعف عليه الغرم فقضى عليه الصحابة بأن على الأعور الدية كاملة مع أن العين الواحدة فيها نصف الدية، لكن ضوعف عليه الغرم لسقوط العقوبة عنه ولا يعرف لهؤلاء الصحابة مخالف فكان إجماعًا مع أن منهم عمر وعلياً وعثمان هم من الخلفاء الذين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم:(عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهذا هو المشهور من مذهبنا وفاقًا لمالك.