ومن الأدلة أيضًا: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(إذا وجدتم الرجل قد غَلَّ فأحرقوا متاعه واضربوه) رواه أبو داود والترمذي وفي رواية: (وامنعوه سهمه) فهذا الغال من الغنيمة هو كالسارق لكن لا قطع عليه؛ لأنه لم يأخذ المال من حرزه، فعقوبة القطع ساقطة عنه لموجبٍ أسقطها فلما سقطت عوقب بأمرين:
الأول: تحريق متاعه. الثاني: حرمانه من سهمه، فلما سقطت عنه العقوبة ضوعف عليه الغرم؛ لأن سهمه قد يكون أكثر بكثير مما سرق ومع ذلك حرق متاعه، وقد يكون فيه ما هو أغلى مما سرق، فلما سقط عنه القطع ضوعف عليه الغرم.
فهذه الأدلة تدل دلالة صريحة على أن من سقطت عنه العقوبة المقدرة شرعًا إما لفوات شرطٍ أو لوجود مانع فإنه يتضاعف عليه الغرم مرتين.
وما مضى من الأدلة هو أدلة وفروع ونزيدها فروعًا فنقول:
منها: من قتل ذميًا عمدًا عدوانًا فإنه لا يقتل به؛ لأن من شروط استيفاء القصاص المكافأة في الدين، وعليه أن يضمنه بدية مسلم، ومن المعلوم أنه لو كان خطأ لما ضمنه إلا بنصف دية المسلم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:(عقل الكافر نصف عقل المسلم) أي ديته نصف دية المسلم، لكن لما قتله عمدًا عدوانًا وسقط عنه القصاص لفوات شرط المكافأة ضوعفت عليه الدية مرتين فقلنا: يضمنه بدية المسلم.
ومنها: من سرق أقل من ربع دينار فإنه لا قطع عليه؛ لأنه لا قطع إلا في ربع دينارٍ فصاعدًا، لكن عليه ضمان المسروق ومثله معه، فلما سقطت عنه العقوبة تضاعف عليه الغرم.
ومنها: السرقة في عام المجاعة أفتى الصحابة بأنه لا قطع فيها ونص عليه الإمام أحمد لكن عليه غرم ما سرقه مرتين؛ لأن من سقطت عنه العقوبة ضوعف عليه الغرم.