وبيان ذلك أن نقول: إنه إذا ورد في الأدلة شيء تقدمته (لا) النافية، فإن عندنا في حكم هذا النفي ثلاث مراتب على الترتيب بحيث لا نتنقل إلى الأخرى إلا إذا لم يمكن حمل النفي على الأولى، أما إذا كان حمله على الأولى لا يلزم منه مانع فإنه يجب حمله عليها ولا يعدل عنه لغيره، فأول هذه المراتب: أننا نحمل النفي على نفي الحقيقة - أي نفي وجوده إذا أمكن - أي نقول: إن هذا الشيء المنفي ليس بموجودٍ أصلاً؛ لأن هذا هو حقيقة النفي، والأصل حمل الكلام على الحقيقة المتبادرة للذهن، فإن كان حمله على الوجود ممكنًا فالقول به المتعين، وذلك كقولنا:(لا خالق إلا الله) فالمنفي (بلا) النافية هو كلمة (خالق) والأصل أننا نحمله على نفي الوجود، فنقول: إن المنفي هنا هو وجود خالق غير الله أي لا يوجد في الكون العلوي والسفلي أحد يخلق شيئًا إلا الله تعالى فهو الخالق لكل شيء، هذا هو الذي ندين الله عز وجل به، خلافًا للقدرية الذين يقولون إن العبد يخلق فعله - وإنهم ليقولون منكرًا من القول وزورًا -، بل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار، والمراد أنه إن أمكن حمل النفي على نفي الوجود أصلاً قلنا به ولا نتعداه إلى غيره، لكن إذا لم يمكن حمله على نفي الوجود فإننا حينئذٍ ننتقل إلى المرتبة الثانية وهو: نفي الصحة، أي أن الفعل المنفي قد يتحقق وجوده لكن تتخلف صحته، ذلك لأن الشيء إذا أمكن وجوده فإنه لا يمكن حمل النفي على نفي وجوده فننتقل إلى المرتبة التي تليها وهي نفي الصحة فنقول: هذا النفي يعود إلى نفي الصحة أي إذا فعل الشيء المنفي فإنه يقع باطلاً لا تبرأ به الذمة إذا كان عبادة، ولا يترتب عليه أثره إن كان معاملة، ولا يجوز لنا أن نقول بالمرتبة الثالثة مع إمكاننا حمل النفي على المرتبة الثانية.