أقول: العمل في هذا النوع من العبادات هو ما ورد في هذه القاعدة، وهو أننا نفعل هذه العبادة على جميع كيفياتها وصفاتها الواردة، فلا نترك صفة واحدة، فنفعلها على هذا الوجه تارة، وعلى الآخر تارة أخرى، وهكذا لأن كل صفة منها قد ثبتت بدليل شرعي صحيح وما ثبت بدليل صحيح فإنه يشرع العمل به ولا يجوز إبطاله، وهذا هو الجواب الصحيح الذي لا يجوز غيره ففيه الجمع بين الأدلة الشرعية، وبه تتآلف ولا يكون بينها اختلاف بوجه، إذا علم هذا فاعلم أن هذا التنويع في كيفية بعض العبادات من كمال الشريعة الإسلامية ومصداقاً لقوله تعالى:{الْيَوْمَ أكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} ثم اعلم أن هذا القول الراجح أعني فعل العبادة على جميع وجوهها له فوائد كثيرة:
فمن ذلك: حفظ الشريعة وعدم ضياع أو نسيان شيء منها، فإننا إذا فعلنا العبادة على جميع وجوهها نكون بذلك قد حفظنا جميع وجوهها من النسيان وهذا يدخل في إحياء السنن وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت فله أجرها وأجر من عمل بها) .
ومن ذلك: تنويع العبادة على النفس حتى لا تمل فإن النفس غالبًا تحب التجديد وهذه الصفات المتعددة تشبع رغبة النفس في التبديل والتجديد فتكون النفس على نشاطٍ من فعلها دائمًا، فالنفس تحب ما كان متغيرًا متجددًا أكثر من حبها لما هو ثابت على صفة واحدة.