للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا علمت هذا فنقول: لماذا قدمنا الجمع على النسخ؟ ولماذا قدمنا النسخ على الترجيح؟ الجواب: أننا قدمنا الجمع على النسخ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين في وقتٍ واحد، وإعمال الدليلين في وقتٍ واحد أولى من إعمال أحدهما في وقتٍ دون وقت وقدمنا النسخ على الترجيح لأن النسخ أيضًا إعمال للدليلين كليهما لكن ليس في وقتٍ واحد بل في وقتين مختلفين، فالمنسوخ معمول به قبل النسخ والناسخ معمول به بعد النسخ فالدليل المنسوخ ليس باطلاً مطلقًا، بل هو دليل صحيح معمول به في وقته فقط، أما الترجيح فإن حقيقته إبطال أحد الدليلين بالكلية بحيث لا يعتقد جواز العمل به مطلقًا لا في السابق ولا الآن، فلأن فيه إبطالاً لأحد الدليلين مطلقًا جعلوه متأخرًا عن النسخ، والنسخ فيه إعمال الدليلين في وقتين مختلفين فجعلوه متأخرًا عن الجمع، والجمع فيه إعمال الدليلين كليهما في وقتٍ واحد فقدموه على النسخ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن، وذلك لأن الأدلة نزلت ليعمل بها فالتعدي عليها بالإبطال لا يجوز إلا بدليل، فالأصل هو إعمالها، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل.

إذا علمت هذا فاعلم أن علم الجمع بين الأدلة التي توهم التعارض علم عزيز قل سالكوه مع شدة الحاجة إليه فعلى طالب العلم أن يحرص على تحصيله ونيله؛ لأنه من أقوى الأسلحة للذب عن هذه الشريعة الشريفة زادها الله شرفًا ورفعةً، ولنا في ذلك مؤلف أسأل الله إتمامه هو كتابنا (الأجوبة المنيعة في الذب عن أدلة الشريعة) أجمع فيه بين الأدلة التي يتوهم المجتهد تعارضها بمقتضى قواعد الأصول والعربية والفقه والتفسير، بحيث أكسر شوكة الذين يدعون وجود التعارض في شريعتنا – قبحهم الله – وفروع هذه القاعدة مذكورة بتمامها فيه، وإنما أذكر لك بعض الفروع هنا من باب التمثيل فأقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>