ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، فيه أمر وهو قوله:(صلوا) فيحمل ذلك الأمر على الوجوب، فكل فعل فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة فإنه واجب إلا ما دلت القرائن على أنه سنة فيخرج من هذا العموم، ويبقى باقي الأفعال والأقوال على الوجوب لهذا الأمر، وكذلك حديث المسيء صلاته خرج مخرج الأمر فقال - صلى الله عليه وسلم - له:(أسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ... الخ) كل ذلك خرج بصيغة الأمر فيحمل على الوجوب إلا فيما وردت فيه قرينة تصرفه عن بابه إلى الندب فيحمل على الندب، والله أعلم.
ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم) دليل على أن كل شيء فعله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع أنه للوجوب لأمره بأخذه، والأمر للوجوب إلا فيما وردت القرائن بصرفه عن بابه إلى الندب فيحمل عليه (١) ، والله أعلم.
ومنها: قوله تعالى في العبيد: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} دليل على وجوب مكاتبة السيد عبده إن علم فيه قدرة على الكسب والعمل حتى يؤدي ما عليه، لكن هذا الأمر أعني قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ} ليس على بابه وهو الوجوب؛ لأنه دلت القرينة على أنه للندب، وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد هذا الأمر لم يكاتب عبيده، ولا كل الصحابة أيضًا كاتبوا عبيدهم، فلو كان الأمر واجبًا لامتثلوه أتم امتثال، لكن عدم امتثالهم صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، فتكون مكاتبة السيد لعبده بالشرط المذكور في الآية مستحبة لا واجبة.
(١) ليس هذا الفرع واضحاً لأن خذوا " تعلموا " لكن حج الرسول صلى الله عليه وسلم بيان للمجمل في قوله تعالى " ولله على الناس حج البيت ".