وهذا بخلاف جعفر بن أبى طالب، حيث أبدله الله من يديه جناحين يطير بهما فى الجنة حيث شاء؛ ومنهم من يكون محبوسًا فى الأرض، لم تعْلُ روحه إلى الملأ الأعلى، فإنها كانت روحًا سُفلية أرضية، فإن الأنفس الأرضية لا تجامع الأنفس السماوية، كما لا تُجامعها فى الدنيا، والنفس التى لم تكتسب فى الدنيا معرفة ربها، ومحبته، وذكره، والأنس به، والتقرّب إليه، بل هى أرضية سفلية، لا تكون بعد المفارقة لبدنها إلا هناك؛ كما أن النفس العلوية التى كانت فى الدنيا عاكفة على محبة الله، وذكره، والتقرب إليه، والأنس به، تكون بعد المفارقة مع الأرواح العلوية المناسبة لها، فالمرء مع من أحب فى البرزخ ويوم القيامة، والله تعالى يُروّج النفوس بعضها ببعض فى البرزخ ويوم المعاد، ويجعل لوحه (يعنى المؤمن) مع النّسم الطيب (يعنى الأرواح الطيبة المشاكلة لروحه)، فالروح بعد المفارقة تلحق بأشكالها، وإخوانها، وأصحاب عملها، فتكون معهم هناك. ومنها أرواح تكون فى تنور الزناة والزوانى، وأرواح فى نهر الدم تسبح فيه وتلقم الحجارة.
فليس للأرواح - سعيدها وشقيها - مستقر واحد، بل روح فى أعلى عليين، وروح أرضية سفلية لا تصعد عن الأرض.
وأنت إذا تأملت السنن والآثار فى هذا الباب .. وكان لك بها فضل اعتناء، عرفت حجة ذلك، ولا تظن أن بين الآثار الصحيحة فى هذا الباب تعارُضًا، فإنها كلها حق يُصدِّق بعضها بعضًا؛ لكن الشأن فى فهمها، ومعرفة النفس وأحكامها، وأن لها شأنًا غير شأن البدن.
وأنها مع كونها فى الجنة، فهى فى السماء، وتتصل بفناء القبر وبالبدن فيه، وهى أسرع شىء حركة وانتقالاً، وصعودًا وهبوطًا، وأنها تنقسم إلى مرسلة ومحبوسة،