وعلوية وسفلية، ولها بعد المفارقة صحة، ومرض، ولذة، ونعيم، وألم، أعظم مما كان لها حال اتصالها بالبدن بكثير، فهنالك الحبس والألم والعذاب والمرض والحسرة، وهنالك اللذة والراحة، والنعيم والإطلاق، وما أشبه حالها فى هذا البدن بحال الطفل فى بطن أمه! وحالتها بعد المفارقة بحاله بعد خروجه من البطن إلى هذه الدار، فلهذه الأنفس أربع دور، كل دار أعظم من التى قبلها:
الدار الأولى: فى بطن الأم، وذلك الحصر والضيق والغم والظلمات الثلاث.
الدار الثانية: هى الدار التى نشأت فيها وألَفْتَها، واكتسبت فيها الخير والشر، وأسباب السعادة والشقاوة.
الدار الثالثة: دار البرزخ، وهى أوسع من هذه الدار وأعظم، بل نسبتها إليها كنسبة هذه الدار إلى الأولى.
الدار الرابعة: دار القرار، وهى الجنة والنار، فلا دار بعدها.
والله ينقلها فى هذه الدور طَبقًا بعد طَبَق حتى يبلغها الدار التى لا يصلح لها غيرها، ولا يليق بها سواها، وهى التى خلقت لها، وهيئت للعمل الموصل إليها.
ولها فى كل دار من هذه الدور حكم وشأن، غير شأن الدار الأخرى، فتبارك الله فاطرها، ومنشئها، وممتها، ومحييها، ومسعدها، ومشقيها، الذى فاوت بينها فى درجات سعادتها وشقاوتها؛ كما فاوت بينها فى مراتب علومها وأعمالها، وقواها وأخلاقها؛ فمن عرفها كما ينبغى، شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، وله القوة كلها، والقدر كلها، العز كله، والحكمة كلها، والكمال المطلق من جميع الوجوه، وعرف بمعرفة نفسه صدق أنبيائه ورسله، وأن الذى جاءوا به هو الحق الذى تشهد به العقول، وتًقر به الفطر، وما خالفه فهو الباطل.