هذه القوانين, وتعمل بمقتضاها فى البناء والتعمير, وفى استخراج كنوز الأرض والانتفاع بما أودع فى الكون من خيرات.
وبذلك يكون الإيمان بالقدر قوة باعثة على النشاط والعمل والإيجابية فى الحياة, كما أن الإيمان بالقدر يربط الإنسان برب هذا الوجود, فيرفع من نفسه إلى معالى الأمور: من الإباء والشجاعة والقوة, من أجل إحقاق الحق, والقيام بالواجب.
والإيمان بالقدر يُرى الإنسان أن كل شىء فى الوجود إنما يسير وفق حكمة عليا, فإذا مسّه الضر فإنه لا يجزع, وإذا صادفه التوفيق والنجاح فإنه لا يفرح ولا يبطر, وإذا برئ الإنسان من الجزع عند الإخفاق والفشل, ومن الفرح والبطر عند التوفيق والنجاح, كان إنسانًا سويًا متزنًا, بالغ منتهى السمو والرفعة, وهذا هو معنى قول الله سبحانه:
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (١).
هذا ما ينبغى أن نفهمه من القدر؛ وهو مقتضى فهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه, وفهم أصحابه رضى الله عنهم أجمعين.
وقد دخل رسول الله صلى الله علية وسلم يومًا على الإمام علىّ كرم الله وجهه بعد صلاة العشاء, فوجده قد بكر بالنوم, فقال له: «هلا قُمت من الليل؟» فقال: يا رسول الله, أنفسنا بيد الله, إن شاء بسطها, وإن
(١) سورة الحديد - الآية ٢٢، ٢٣.