شاء قبضها .. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج وهو يضرف على فخذه ويقول: «{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (١)».
وسرق أحد اللصوص, فلما حضر بين يدى عمر رضى الله عنه سأله: «لِمَ سرقت؟ «فقال: قدّر الله ذلك, فقال عمر رضى الله عنه: «اضربوه ثلاثين سوطًا, ثم اقطعوا يده «, فقيل له: ولِمَ؟ فقال: «يقطع لسرقته, ويضرب لكذبه على الله «.
إن القدر لا يتخذ سبيلاً إلى التواكل, ولا ذريعة إلى المعاصى, ولا طريقًا إلى القول بالجبر؛ وإنما يجب أن يتخذ سبيلاً إلى تحقيق الغايات الكبرى من جلائل الأعمال .. إن القدر يُدْفَع بالقدر, فيدفع قدر الجوع بقد الأكل, وقدر الظمأ بقدر الرىّ, وقدر المرض بقدر العلاج والصحة, وقدر الكسل بقدر النشاط والعمل.
ويُذكر أن أبا عبيدة بن الجراح قال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه حينما فرّ من الطاعون: أتفر من قدر الله؟ قال: «نعم أفر من قدر الله إلى قدر الله «, أى يفر من قدر المرض والوباء إلى قدر الصحة والعافية .. ثم ضرب له مثلاً بالأرض الجدباء, والأرض الخصبة, وأنه إذا انتقل من الأرض الجدباء إلى الأرض الخصبة لترعى فيها إبله, فإنه ينتقل من قدر إلى قدر.
لقد كان يمكن للرسول وصحابته أن يستكينوا كما يستكين الضعفاء الواهنون, معللين أنفسهم بالفهم المغلوط الذى يتعلل به الفاشلون, ولكنه جاء يكشف عن وجه الصواب فلم يهن, ولم يضعف, واستعان بالقدر على تحقيق رسالته الكبرى, ملتزمًا سنة الله فى نصره لعباده.
فقاوم الفقر بالعمل, وقاوم الجهل بالعلم, وقاوم المرض بالعلاج, وقاوم الكفر والمعاصى بالجهاد, وكان يستعيذ بالله من الهم والحزن, والعجز والكسل.
(١) سورة الكهف - الآية ٥٤.