للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} ١، أي إنه سوف ينشئنا نشأة مختلفة تماما عن كل ما نعلم ولا غرابة في أن يكون للروح بصر شامل يدرك اللامحدود وأن ترى الله في الآخرة"٢.

والحقيقة إنك لا تكاد تجد لهذا الرجل قاعدة ينطلق منها الحوا؛ فبينما تراه في أقصى الشرق لا تلبث أن تراه في أقصى الغرب تراه أمامك مسلما في أمر، فإذا بك ترى قفاه رافضا، ثم يلتفت إليك مترددا حائرا يستدل أحيانا بالآيات في غير مدلولها ويبتر حينا الآية بترا عن سياقها.

ودعونا نأخذ من حديثه السالف الطويل آخره. استدل بقوله تعالى: {وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ} على أن البعث يكون في نشأة مختلفة عن أجسادنا في الدنيا.

ولنقرأ الآية الكاملة: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ، أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ، نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ، عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ} ١.

فهذه الآيات رد على منكري البعث بأنه قدر عليهم الموت وأنه قادر على أن يأتي بآخرين من جنسهم بعد مهلكهم، وأن يخلقهم هم في صور أخرى غير الصور التي كذبوا بالبعث وهم عليها صورا وأشكالا أخرى. قال الأستاذ أحمد محمد جمال: "أي ينشئهم خلقا آخر قردة مثلا، أو خنازير أو أي صنف من أصناف مخلوقاته فهو -تبارك وتعالى- يهدد المنكرين للبعث بأنه قادر على تبديل خلقتهم الإنسانية وإنشائهم في خلقة أخرى ويذكرهم بالخلقة الأولى ... خلقتهم الطين أو خلقتهم من ماء مهين والذي بدأ الخلق يعيده من غير شك"٣.


١ سورة الواقعة: الآيات ٥٧-٦٢.
٢ محاولة لفهم عصري للقرآن: ج/ مصطفى محمود ص١٣٧.
٣ على مائدة القرآن مع المفسرين والكتاب: أحمد محمد جمال ص٤٧١.

<<  <  ج: ص:  >  >>