للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ} ١, فقال: " ... ومفعول {أَضَاءَ} محذوف أي: كلما أضاء لهم مومضا أو شيا شجرة "كذا" أي: نوره مشوا في مطرح نوره, فالهاء عائدة إلى البرق ويجوز عودها إلى الوضع الذي أضاء لهم المحذوف, ويجوز كونه لازما أي: كلما ظهر لهم البرق ولمع مشوا فيه، ويدل له قراءة ابن أبي عبلة: "كلما أضاء٢ لهم" بترك الهمزة الأولى والهاء للبرق"٣.

ويعتني في تفسيره بالمسائل اللغوية والبلاغية ويوليها اهتماما بالغا وبيانا واضحا، فقال مثلا في تفسير قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ} ٤: "والعمى عدم البصر مما في شأنه أن يبصر فلا يقال لغير الحيوانات: أعمى ولا لما لا عين له منها فمن خلق بلا عينين لا يقال له أعمى؛ لأنه ليس من شأنه أن ينظر بلا عين وكذا من خلق بعين واحدة لا يقال لموضع عينه الأخرى أعمى، ويطلق العمى أيضا على عدم نور القلب فمن لا نور في قلبه يميز به الحق فلا فائدة في نظر عينيه لما لم يستعملوا آذانهم وألسنتهم وعيونهم فيما خلقت له من الهدى سموا بأسماء من لا سمع ولا نطق ولا بصر لهم إذ لم ينتفعوا بها، فكانت كالعدم فهم كمن إيفت حاسته -بكسر الهمزة وإسكان الياء كبيعت- أي: أصيبت بآفة، قال الشاعر:

ما بال قوم صديق ثم ليس لهم ... عهد وليس لهم دين إذا أتمنوا

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

أي: إذا سمعوا خيرا ذكرت به صاروا كمن لا يسمع فلا ينطقون به ولا ينشرونه, وإن ذكرت بسوء كانت لهم آذان السمع فيعونه وينشرونه أو من أذنت للشيء إذا أصغيت إليه. وقال آخر:

أصم عما ساءه سميع


١ سورة البقرة: من الآية ٢٠.
٢ كذا كتبت, ولعله أراد "ضاء" بحذف الهمزة الأولى.
٣ هميان الزاد ج١ ص٣١٦.
٤ سورة البقرة: الآية ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>