للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال آخر:

أصم عن الشيء الذي لا أريده ... وأسمع خلق الله حين أريد

وعدي أصم بعن لتضمين معنى التغافل, وقال آخر:

وأصممت عمرا وأعميته ... عن الجود والفخر يوم الفخار

وكل من لفظ أصم وأبكم وأعمى صفة مشبهة لا اسم تفضيل، والآية من باب الاستعارة التصريحية باعتبار كل واحد من لفظ صم ولفظ بكم ولفظ عمي فتلك ثلاث استعارات، أو ذلك كله استعارة تمثيلية، وإنما قلت بأن ذلك من الاستعارة مع كون المشبه والمشبه به كليهما مجتمعين في الكلام من حيث إن المشبه به خبر للمشبه المحذوف المقدر المجعول من أجزاء الكلام فكأنه مذكور، أي: هم صم بكم عمي، أو هؤلاء صم بكم عمي؛ لأنه لا فرق عندي في الاستعارة بين عدم كون المشبه من أجزاء الكلام وكونه من أجزائه مذكورا أو مقدرا، إذا لم يقصد المتكلم التشبيه بل قصد أن المشبه هو نفس المشبه به مبالغة"١، ثم ذهب يوجه هذا القول في شيء من الاستطراد لا حاجة لنقله هنا.

وهو لا يسلم دائما بما يقوله علماء اللغة، بل يناقشهم ويرد عليهم فمن ذلك ما جاء في تفسيره لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} ٢، فقال: "والبعوضة واحد البعوض وهو البق الصغار فيما ذكره الجوهري, وليس كذلك بل هو الحيوان الذي يطير وينتشر في الأجنة صيفا, سمي من البعض بمعنى القطع، يقال: بعضة وبضعة وعضبة أي: قطعة. قال الشاعر:

لنعم البيت بيت بني دثار ... إذا ما خاف بعض القوم بعضا

أي: قطعا"٣.


١ هميان الزاد ج١ ص٢٩٧ و٢٩٨.
٢ سورة البقرة: من الآية ٢٦.
٣ المرجع السابق ج١ ص٣٨٤ و٣٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>