للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأحيانا يستشهد من اللغة لأسلوب القرآن, ففي الآية السابقة مثلا يقول: "ومما قيل في الاستخفاف بالبعوض قوله:

إذا كان شيء لا يساوي جميعه ... جناح بعوض عند من كنت عبده

وأشغل جزء منه كلك ما الذي ... يكون على ذا الحال قدرك عنده

يعني الدنيا، وقوله:

لا تستخفن الفتى بعداوة ... أبدا وإن كان العدو ضئيلا

إن القذى يؤذي العيون قليله ... ولربما جرح البعوض الفيلا

وقوله:

لا تحقرن صغيرا في عداوته ... إن البعوضة تدمي مقلة الأسد"

وهو لا يتعصب لرأيه في اللغة فيستدل للرأي الآخر كما يستدل لرأيه، ففي تفسير الفوقية في قوله تعالى: {فَمَا فَوْقَهَا} من الآية السابقة، يرى أن المراد بها: "ما زاد على بعوضة في صغر الجثة كجناحها كما ضرب به المثل في الحديث, وهكذا كنت أفسر الفوقية بالغلبة في الصغر والزيادة فيه ورأيت بعد ذلك زكريا قال: إنه مذهب المحققين لمطابقته البلاغة، ولما سيق له الكلام" إلى أن قال: "وقيل: معنى ما فوقها وما زاد عليها في الكبر كالذباب والعنكبوت أي: لا يستحي أن يضرب مثلا بالبعوضة فضلا عما فوقها ويحتمل الوجهين ما روى مسلم عن إبراهيم عن الأسود أنه دخل شباب من قريش على عائشة وهي بمنى وهم يضحكون فقالت: ما يضحككم؟ فقالوا: فلان خر على طنب فسطاط فكادت عنقه أو عينه تذهب، فقالت:

لا تضحكوا إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها, إلا كتبت له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة" ١.


١ رواه مسلم، كتاب البر والصلة ج٤ ص١٩٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>