للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكم مرتكب الكبيرة:

سار الشيخ أطفيش في هذا على مذهبه مذهب الأباضية الوهبية, وهم كما سبق القول يطلقون على الموحد العاصي كلمة كافر, ويعنون بها كافر النعمة ويجرون عليه أحكام الموحدين، ويقسمون الكفر إلى قسمين: كفر نعمة ونفاق وهو هذا الذي نتحدث عنه، وكفر شرك وجحود وهو المخرج من الملة الإسلامية.

وقد قارن الشيخ أطفيش في تفسير قوله تعالى: {وَيُؤْمِنُونَ بالغيب} ١، بين آراء المذاهب فقال: "ثم إنه لا يخفى أن الحق معنا في قولنا: إن مرتكب الكبيرة كافر كفر نفاق وهو كفر نعمة, موحد, إيمانه ناقص، لا كما زعمت المرجئة أنه مؤمن كامل الإيمان ولا كما زعمت المعتزلة أنه لا كافر ولا مؤمن, فإن أرادوا: لا مؤمن إيمانا كاملا ولا كافر كفر شرك فقد صدقوا, وإن أرادوا نفي اسم الكفر عنه مطلقا كذبتهم آثار وأحاديث جمعتها في بعض ما منَّ الله به عليَّ من التأليف ... ولا كما قالت المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية: إنه لا يسمى باسم كافر أصلا، ووافقنا محققوهم على أنه يسمى به على معنى كفر النعمة، ولا كما زعمت الصفرية من أنه مشرك، ولا كما زعم بعض الصفرية أنه مشرك بالمعصية مطلقا ولو لم تكن كبيرة"٢.

ويظهر لي والله أعلم أن الخلاف في هذه الجزئية لفظي؛ ذلكم أن أهل السنة يصفون مرتكب الكبيرة بأنه مؤمن ناقص الإيمان, أما الأباضية -والشيخ أطفيش من أئمتهم- فيعتقد أنه يجوز نفي الإيمان عن ناقص الإيمان باعتبار الكمال, فهؤلاء سموه ناقص الإيمان ووقفوا وهؤلاء قالوا: إنه غير مؤمن بل كافر كفر نعمة لا كفر شرك, لا يخرج من الملة ولا يحكم عليه بأحكام المرتدين ويعامل معاملة الموحدين، وهذا كلام الشيخ أطفيش في تفسير إحدى الآيات حيث يقول: "إنه يجوز نفي الإيمان عن ناقص الإيمان باعتبار الكمال كما في قوله صلى


١ سورة البقرة: من الآية ٣.
٢ هميان الزاد: ج١ ص٢٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>