للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا عداء، أو يظن أنهما متلاقيان ولا لقاء؛ أعني: أنه لا ينبغي أن يحالف النجاح بصورة حتمية كل عملية من عمليات "التوفيق"١.

٤- أن تناول القرآن بهذا المنهج وبذلك المدى يضطر المفسر إلى مجاوزة الحدود التي تحتملها ألفاظ النص القرآني الكريم؛ لأنه يحس بالضرورة متابعة العلم في مجالاته المختلفة، مع أن كثيرًا من حقائق العلم مؤقتة ومتغيرة، ولا تظهر كلها دَفْعَة واحدة؛ بل تنكشف يومًا بعد يوم؛ وحينئذ يكون التعجل في تلمس المطابقة بين القرآن والعلم تعجلًا غير مشروع٢.

٥- أن ما يكشف من العلوم إنما هو نظريات وفروض كل قيمتها أنها تصلح لتفسير أكبر قدر من الظواهر الكونية أو الحيوية أو النفسية أو الاجتماعية، إلى أن يظهر فرض آخر يفسر قدرًا أكبر من الظواهر، أو يفسر تلك الظواهر تفسيرًا أدق؛ ومن ثم فهي قابلة دائمًا للتغيير والتعديل والنقص والإضافة؛ بل قابلة لأن تنقلب رأسًا على عقب بظهور أداة كشف جديدة، أو بتفسير جيدة لمجموعة الملاحظات القديمة٣؛ ومن ثم فلا يصح أن نعلق الحقائق القرآنية النهائية بمثل تلك النظريات حتى لا نقف محرجين عند ثبوت بطلان تلك النظرية.

أقول: لا رفض للتفسير العلمي مطلقًا ولا تأييد وتسليم له مطلقين؛ بل جمع بين حقيقتين: حقيقة قرآنية ثابتة بالنص الذي لا يقبل الشك، وحقيقة علمية ثابتة بالتجربة والمشاهدة القطعيين؛ ومن هنا كان المسلمون كلهم متفقين -كما أسلفنا- على أن القرآن الكريم لم ولن يصادم حقيقة علمية؛ وإنما يقع التصادم عندما ندعي حقيقة علمية في الكون وهي ليست حقيقة علمية، أو ندعي حقيقة قرآنية وهي ليست حقيقة قرآنية٤.


١ معالم الشريعة الإسلامية: صبحي الصالح ص٢٩٠.
٢ الفكر الديني في مواجهة العصر: عفت الشرقاوي ص٤٤٣.
٣ في ظلال القرآن: سيد قطب ج٢ ص٩٧.
٤ معجزة القرآن: محمد متولي الشعراوي ص٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>