للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم إني لا أقبل أن يعلل علم الله سبحانه وتعالى بما في صدر الإنسان بالتغييرات التي تحدث في خلايات المخ عند التفكير؛ فالله سبحانه وتعالى يعلم ذلك حتى ولو لم يحدث -إن كان يحدث- هذا التغيير في الخلايا؛ بل الله سبحانه يعلم ما في الصدور وما سيكون في الصدور؛ أي: قبل أن يفكر الإنسان بالتفكير بالشيء، فعلمه سبحانه علم قبل ومع وبعد التفكير الإنساني، وهو علم مستقل بذاته عن التغييرات في خلايا المخ، فلا تزيده تلك علمًا ولا ينقصه عدمها علمًا.

ولذلك فإن قول الدكتور إسماعيل آخرًا: "والله سبحانه وتعالى يعلم كل ما يجول، وكل ما جال ... " إلخ بحاجة إلى أن يزاد فيه: "وكل ما سيجول"؛ لأن الأمرين السابقين مرتبطان حسب قوله بالتغييرات، وعلم الله -كما قلنا- لا تؤثر فيه هذه التغييرات فتقيده بمدلولاتها؛ فكان علمه سبحانه بكل شيء، والله أعلم.

رابعًا: قوله تعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ، لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} ١

قال الشوكاني -رحمه الله تعالى- في تفسيرها: " {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} جواب قسم محذوف، وفيه زيادة وعيد وتهديد؛ أي: والله لترون الجحيم في الآخرة. قال الرازي: وليس هذا جواب لو؛ لأن جواب لو يكون منفيًّا، وهذا مثبت، ولأنه عطف عليه {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ} وهو مستقبل لا بد من وقوعه، قال: وحذف جواب لو كثير، والخطاب للكفار، وقيل: عام كقوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ".

إلى أن قال: "ثم كرر الوعيد والتهديد للتأكيد فقال: {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} أي: ثم لترون الجحيم الرؤية التي هي نفس اليقين، وهي المشاهدة والمعاينة، وقيل المعنى: لترون الجحيم بأبصاركم على البعد منكم، ثم لترونها مشاهدة على القرب، وقيل: المراد بالأول رؤيتها قبل دخولها، والثاني رؤيتها حال دخولها، وقيل: هو إخبار عن دوام بقائهم في النار؛ أي: هي رؤية دائمة متصلة، وقيل: المعنى لو تعلمون اليوم علم اليقين وأنتم في الدنيا لترون الجحيم بعيون قلوبكم، وهو أن تتصوروا أمر القيامة وأهوالها"٢.


١ سورة التكاثر: الآيتان ٥، ٦.
٢ فتح القدير: الإمام الشوكاني ج٥ ص٤٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>