للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا التفسير للإمام الشوكاني -رحمه الله تعالى- يظهر أن المراد بالأحوى؛ أي: الأسود بعد اخضراره؛ لأن الكلأ إذا يبس اسود؛ لكن أصحاب التفسير العلمي -أو أحدهما- قدم تفسيرًا آخر لم يسبق إليه فيما أعلم، فقال الأسيوطي الفلكي في تفسير تلك الآية: "الغثاء هو اليابس، والأحوى من الحوة؛ وهي في لسان العرب سواد إلى الخضرة أو حمرة إلى السواد، وقد كثر في كلام العرب حتى سموا كل أسود أحوى ... إذًا فتفسير {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} هو جعله بعد خضرته يابسًا أسود. وهل هناك نبات إذا جف صار يابسًا أسود؟ لا توجد -فيما نعلم- نباتات هكذا؛ إذًا فكيف أخرج الله تبارك وتعالى المرعى ثم جعله يابسًا أسود؟ كيف ومتى؟

ألا ينطبق هذا كل الانطباق على الفحم الحجري الذي تكوَّن معظمه في حقب الحياة القديمة حينما ظهرت النباتات غير المزهرة والسرخسيات بكثرة عظيمة، ثم تراكمت فوقها في بعض الجهات رواسب أخرى؛ فتحولت إلى فحم حجري مع طول الزمن وارتفاع الضغط والحرارة.

نعم هذا هو الغثاء الأحوى الذي تكلم عنه القرآن الكريم وعلله فأصاب وأوجز. قال وأصاب في وقت كانت فيه مثل هذه الحقائق غريبة على عقول البشر، قال هذا فسبق العلم بقرون عدة. أفليس هذا إعجازًا؟ بلى والله إنه نعم الإعجاز"١.

قلت: والذي قال الأسيوطي الفلكي نظرية علمية لم ترتقِ إلى درجة الحقيقة العلمية الثابتة التي يجوز جوازًا أن يشار إليها إشارة في تفسيبر القرآن، فعلينا أن نجرد تفسير القرآن الكريم من هذه النظريات العلمية التي ما تزال تتأرجح يمنة ويسرة؛ خشية أن تميل معها بعض القلوب إذا مالت، فلنتقِ الله ربنا، ولنحترم كتابه وننزله منزلته.

وليست هذه النظرية بالوحيدة، وليس هذا هو التفسير العلمي الخاطئ


١ القرآن ونهاية العالم: الأسيوطي الفلكي ص٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>