للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبب تأليفه:

وقبل أن تعرف سبب تأليف هذا الكتاب ينبغي أن تنظر إلى أصل القضية، وهو سبب اتجاه مؤلفه هذا الاتجاه العلمي، وهو سبب هام جدًّا لم أرَ فيما قرأت مَن أشار إليه مِن أن المؤلف نفسه يذكره نصًّا في تفسيره لهذا، ولأنه القاعدة التي أحسب أن يقوم عليها أصحاب التفسير العلمي التجريبي المتطرفون منهم خاصة؛ فإني رأيت أن أنقل هذا النص بطوله، فلعل فيه بيانًا لسبب اتجاه صاحبه وغيره ... قال:

"كنت في أول أمري مجاورًا بالجامع الأزهر، ثم قامت الحوادث العرابية ودخل الإنجليز بلادنا؛ فانقطعت ثلاث سنين عن العلم، وكنت في أثناء ذلك أزاول الأعمال الزراعية بيدي مع مَن يزرعون، وقد اعتراني مرض طويل في المعدة لازمني، وقد كان والدي في مرض أيضًا، وفوق ذلك كله كنت أفكر في هذه الدنيا وأقوال: يا ليت شعري، ألها خالق؟ وهل الأنبياء كلموه؟ إني لا أصدق إلا إذا عرفت أنا بنفسي ولا أتكل على أحد.

إن هذه الطرق الحديدية تجري عليها القطارات وليست من صنع المسلمين، فيا ليت شعري، ماذا يقول الفرنجة الذين صنعوها؟ هل لهذا العالم إله؟ أنا لا أصدق إلا إذا عرف عقلي. إن هذا العالم ليس فيه شيء من النظام. إنه مبعثر. إنه مختل معتل. إنني أرى هذه البقرات وهؤلاء الرجال والنساء وهذه الحبات من الذرة تُوضع في الأرض، وهذا الماء الجاري فيها، وهذه المحاريث التي تشق الأرض، كل ذلك غير متناسب ولا منتظم؛ فالمرأة واقفة والرجل كذلك، والمحراث ممتد مستطيل من الأرض إلى أعلى، كأنه زاوية والثوران رءوسهما إلى أمام، والرجال والنساء رءوسهم إلى أعلى، والماء يجرى على الأرض لا يرفع رأسه مثلهما، فهذه الدنيا مضطربة مرتبكة مختلفة، لا أرى فيها نظامًا ولا أحكامًا، وإذا فقد النظام والأحكام فلا إله خالق إن هي إلا أحوال متغيرة وأمور مبعثرة، ولدها الاتفاق، وأظهرتها المصادفات.

فلما أحسست بهذه الخواطر، رجعت إلى نفسي وقلت: إن العلماء في الدين يقولون: إننا ننظر للعالم العلوي والسفلي، فهأنا ذا نظرت فلم أجد إلا خللًا، ولم أَزْدَدْ إلا شكًّا؛ فلم يبقَ عندي أمل إلا في أمر واحد؛ وهو أن أوجه قلبي إلى مَن صنعني، فإن كان موجودًا

<<  <  ج: ص:  >  >>